الراوي والجوقة والغناء في قطع تسلسل الحدث المسرحي.
ومنها استخدامُ خصائص مسرح العبث في عدم حدوث شيء لتحطيم حدوث الأفعال والوقائع في الدراما التقليدية.
ونتج عن هذه المحاولات ما سمي بالمسرح الاحتفالي والطليعي والتجريبي والملحمي.
وكلها متفرعةٌ عن نهج واحد هو (تغيير ترتيب أركان الدراما).
وكلها كانت شديدة التمسك بهذه العناصر بحيث كانت كل مسرحية مما كتبوه يمكن تحليلها إلى عناصر الحكاية المسرحية وبناء الشخصيات وإبراز الصراع في حبكة قوية مشوقة.
ويكفي أن يتذكر القارئ نصوص سعد الله ونوس ورياض عصمت وعلي عقلة عرسان وممدوح عدوان ووليد إخلاصي وعبد الفتاح قلعجي وغيرهم من كتاب سورية، وأن يتذكر نصوص محمود دياب وميخائيل رومان وألفريد فرج وغيرهم من كتاب مصر، وأن يتذكر نصوص عز الدين المدني في تونس وعبد الكريم برشيد في الغرب وغيرهما من كتاب المغرب العربي.
بقي أن نضيف إلى ما قدمناه عن سير كتّاب كل مرحلة في نهج واحد، أن هذا النهج الذي ساروا عليه كان نهجاً فنياً بقدر ما كان رؤية فكرية لهم في قضايا المجتمع وشؤون الأمة.
ففي نصفي القرن العشرين حمل الكتاب العرب المسرحيون على عاتقهم مهمةَ التعبير عن طموحات الأمة في التغيير الاجتماعي والسياسي عبر التعبير عن الموقف القومي والوطني لهم.
وإذا كان موقفهم في النصف الأول مقارعةَ الاستعمار، فقد كان موقفهم في النصف الثاني مقارعةَ التخلف والتجزئة والعدو الإسرائيلي.
وكان النهج الفني الذي ركبوه وسيلتَهم إلى التعبير عن مواقفهم الاجتماعية والسياسية هذه.
استناداً إلى ما تقدم نجد أن انتظام كتاب جيل تسعينات القرن العشرين في نهج واحد دليلٌ على انبثاقها من التجربة العربية في الكتابة، واستمرارٌ لمسار المسرح العربي.
ثاني الملاحظات أن التأليف المسرحي العربي كان يزداد حنكة وبراعة.
ولم يكن تاريخ التأليف المسرحي العربي انتقالاً من تقليد الدراما التقليدية إلى الخروج عن هذا التقليد ومحاولة خرق أصول وقواعد التأليف لإعادة صياغتها من جديد فحسب، بل كان في الوقت نفسه تطوراً في فن التأليف نفسه.
ولو رجعنا إلى ما كتبه الكتاب العرب في النصف الأول من القرن العشرين لوجدناه أقرب إلى الضعف في البناء الدرامي في الأعم الأغلب.
وقليلةٌ جداً هي النصوص التي ترتقي إلى صنف الأدب المسرحي المكين الذي يمكن العودة إليه وتقديمه جيلاً بعد جيل.
وهنا لا بد من وقفة صغيرة عند هذه النقطة التي تعتبر مفتاحاً من أهم مفاتيح فهم التأليف المسرحي في تاريخ البشرية.
من المعروف أن لكل عصر مدرستَه الأدبية التي يسير فيها التأليف على قواعد محددة يلتزم بها الكتاب المنتمون إلى هذه المدرسة.
وكلنا يعرف مثلاً قانون الوحدات الثلاث الذي سارت عليه الكلاسيكية الجديدة في فرنسا، وما تبع هذا القانون من قاعدة فصل الأنواع.
ونعرف قواعد الرومانسية التي خرجت على قانون الوحدات الثلاث ومزجت الأنواع.
ونعرف أن الواقعية تخلت عن الشعر لغة للمسرح وفرضت النثر.
وإذا كانت الكلاسيكية تنتقي أبطالها من عظماء الشخصيات لتخوض صراعاً تراجيدياً ضخماً، فقد مالت الواقعية إلى الشخصيات العادية لتخوض صراعاً اجتماعياً عادياً تكشف فيه عن مآسي المجتمع.
ونعرف أن مسرحيات القرن العشرين كانت كلها تضرب أصول الدراما التقليدية بعد أن رَكِبَت ورَكَّبَت عناصرها بشكل جديد غائصةً في مأساة الإنسان أو في عجزه أو لكي تحرض المتلقي على تغيير واقعه من خلال موقف ثوري، أو مؤمنةً أن التغيير مستحيل وأن الإنسان يدور في حلقة فارغة من البؤس واليأس والضياع.
ولم تكن أساليب الكتابة في كل عصر - والتي تسمى مدارس أدبية - إلا معادلاً فنياً للموضوعات الاجتماعية والنفسية والفكرية التي عالجها الأدباء.
فكأن الشكل الفني هو الوعاء الذي أعان الكتابَ على صبِّ أفكارهم فيه.
لكن العصر الذي وصفه هؤلاء الكتاب وعالجوه واستمدوا منه موضوعاتهم لا يلبث أن ينقضي.
ويأتي عصر جديد يقتضي موضوعات جديدة وأسلوباً جديداً في معالجة هذه الموضوعات.
وكثيراً ما كانت الأساليب الجديدة مدمرة للأساليب القديمة.
لكن ذلك لم يكن يعني أبداً أن تموت النصوص التي كتبها المؤلفون في العصر الذي انقضى، لأنها كانت قادرة على البقاء فوق خشبة المسرح رغم تطاول الزمن على كتابتها ورغم أن موضوعاتها وحكاياتها ومعالجاتها تبدو نافرة عن العصور التي تتلو عصر كتابتها.
ونحن نعرف أن نصوص العصر الشكسبيري مثلاً أو نصوص الكلاسيكية الجديدة أو الرومنسية لم تخرج عن الحياة فوق خشبة المسرح.
ولعل في نصوص إبسن الواقعية أوضح مثل على ما نريد قوله.
فقد عالج موضوعات اجتماعية