طب اليونان، والهند، وإيران ومدرسة مرو(3).
7ـ الطب عند العرب قبل الإسلام:
وقبل البدء في الحديث عن طب العرب في
الجاهلية.. نشير إلى أننا قد تعمدنا بعض
التفصيل في هذا المجال، من أجل إظهار
حقيقة الوضع الذي كان سائداً في المنطقة
التي ظهر فيها الإسلام، الذي بعث أعظم
ثورة ثقافية وإنسانية عرفها التاريخ..
والذي شهد عالم الطب في ظله تطوراً هائلاً
وأسطورياً، كما سنرى، ولأجل ذلك نقول:
أما الطب عند العرب، فيقول وجدي: إنه كان
مقتبساً عن اليوناني، والهندي، ولم يزد
العرب عليه شيئاً إلا فيما يتعلق بالمادة
الطبية(4).
فإذا كان وجدي يقصد بذلك: الطب في فترة ما
قبل الإسلام؛ فيمكن أن يكون له وجه.. وإن
كنا نرجح: أنه ليس إلا نتيجة لتجارب شخصية
ـــــــــــــــ
(1) تاريخ الحكماء ص133.
(2) راجع مقالاً للدكتور محمد محمدي
بعنوان: جامعة جند يشابور، في مجلة الهادي
سنة2 عدد2 ص52.
(3) تاريخ طب در إيران ج2 ص73.
(4) دائرة معارف القرن العشرين ج5 ص666.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 21/
محدودة، أو مأخذوة من أطباء جند يشابور،
أو من أي من البلاد التي تحيط بهم.
وأما إذا كان يقصد بطب ما بعد ظهور
الإسلام، فلا ريب في عدم صحة هذا الكلام،
كما سنرى فيما يأتي.. ويؤيد أنه يقصد هذا
الثاني: قوله: إنه كان قبل الإسلام منقولاً
إليهم من السوريين(1).
فالظاهر: أنه قد تأثر بمزخرفات
المستشرقين الذين يحاولون تعظيم وتضخيم
دور أي من الأمم التي سبقت الإسلام بهدف
التخفيف من عظمة البعث الإسلامي، في مختلف
المجالات، وذلك لأهداف حقيرة لا تخفى..
وعلى كل حال.. فإن مطالعة معالم النهضة
الإسلامية الطبية لخير دليل على كذب هذا
الادعاء، ولسوف يأتي بعض ما يشير إلى ذلك
كما قلنا.
أما الدكتور فيليب حتي فيقول: «أنشأ الطب
العربي العلمي عن الطب السوري الفارسي،
الذي كان يقوم بدوره على أسس من الطب
الإغريقي. وقد أشرنا سابقاً إلى ان الطب
الإغريقي ذاته قد استقى كثيراً من الطب
الشعبي القديم الذي كان معروفاً في الشرق
الأدنى، ولاسيما الطب المصري»(2).
ولكن ما ذكرناه نحن آنفاً هو الأكثر دقة
في هذا المجال.. فإن الطب قد كان عند جميع
الأمم ولكن بمستويات مختلفة ومتفاوتة،
وقد استطاعت جند يشابور أن تحتوي معظم
نتاج الأمم السابقة، ثم تصدر ما حصلت عليه
إلى سائر الشعوب التي كانت بحاجة إلى مادة
كهذه ومنها العرب، وإن كان العرب
ـــــــــــــــ
(1) دائرة معارف القرن العشرين ج5 ص655.
(2) موجز تاريخ الشرق الأدنى ص191.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 22/
قد اقتبسوا أيضاً من آخرين ممن حولهم،
كالسوريين، أو غيرهم.. وأضافوه إلى ما كان
عندهم عن الكلدان وغيرهم، ومما حصلوا عليه
من تجاربهم، وإن كانت محدودة جداً.
أما جامعة جند يشابور نفسها؛ فقد انتقل
الطب إليها على يد الرومان، الذين تلقوا
معارفهم عن اليونانيين، الذين قدموا
إليهم من مدرسة الإسكندرية.
الطب الجاهلي:
ويقولون: إن المعالجات في الجاهلية كانت
تعتمد على بعض النباتات، وبالعسل وحده، أو
مع مواد اخرى: شرباً تارة، وعجائن ولصقات
أخرى. وبالحجامة، والفصد، والكي، وبتر
الأعضاء بالشفرة المحماة بالنار.. هذا
بالإضافة إلى معالجاتهم بالرقى والعزائم،
والأذكار التي تطرد الجن والأرواح
الشريرة.
ويقول البعض: إنهم كانوا يعالجون الجراح
المتعفنة والدماميل بمواد ضد العفونة،
ويعالجون الأمراض المسرية بالحجر الصحي،
ويعالجون الجراح بالفتائل والتضميد(1).
ويقول الدكتور جواد علي(2): «وقد عرف
الجاهليون أيضاً طريقة تغطية بعض العيوب،
أو الإصابات التي تلحق بأعضاء الجسم
بالوسائل الصناعية، فشدوا الأسنان،
وقووها بالذهب، وذلك بصنع أسلاك منه تربط
الإنسان، أو
ـــــــــــــــ
(1) تاريخ طب در إيران ج2 ص118.
(2) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8
ص415.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 23/
بوضع لوح منه في محل الأسنان الساقطة(1)
واتخذوا أنوفاً من ذهب لتغطية الأنف
المقطوع، كالذي روي عن عرفجة بن أسعد(2) من
أنه اتخذ أنفاً من ذهب(3). وكان قد أصيب أنفه
يوم الطلاب في الجاهلية» انتهى. ولعل هذه
القضية من الأمور المسلمة تاريخياً كما