ولا حاجة بنا إلى التذكير بأن أمير المؤمنين عليه السلام، كان وهو يطوف في الأسواق، ينهى عن النفخ في اللحم، كما هو مذكور حين الحديث عن الرقابة على السوق، ولكن الأهم من ذلك، أننا نجده عليه السلام يكتب إلى رفاعة بن شداد، قاضيه على الأهواز، ما يلي: «.. وأمر القصابين أن يحسنوا الذبح، فمن صمم، فليعاقب، وليلق ما ذبح للكلاب»[211].
كما وروي عن أبي سعيد، قال: «مر النبي صلى الله عليه وآله بسلاخ، وهو يسلخ شاة، وهو ينفخ فيها، فقا.
«ليس منا من غشنا، ودحس بين جلدها، ولحمها، ولم يمس ماء»[212].
ويفهم من ذلك: أن النهي عن النفخ في اللحم أيضاً قد كان موقع الرقابة، وقد نهى النبي عنه من رآه يفعله، ومعلوم: أن أوامره صلى الله عليه وآله كانت تطاع لأنها أوامر صادرة من نبي يعتقدون بنبوته، ويرون لزوم إجراء أوامره أكثر من أية سلطة أخرى.
كما أن الحديث الأول يعطينا: لزوم فرض رقابة على من يصمم الذبيحة، ويقطع ما لا يحق له أن يقطعه منها حين ذبحها.. فإن فعل أحد ذلك فإنه يعاقب، ويرمى ما ذبح للكلاب.
وإذا كانت الأسواق هي المواضع التي ينسى الإنسان فيها كل شيء إلا المال، والحصول على المزيد منه، وتسيطر الدنيا على تفكيره، وكل حواسه، كما أنه يبرز لديه شعور بإمكانية الاستئثار لنفسه بما يملكه غيره، بواسطة ما يسمى الربح في التجارة، فيقلل ذلك من قيمته في نفسه، ويتدنى لديه الشعور الإنساني الناشئ عن حالة من العطف والحنا.
فإن الربط بالله.. والتذكير به في هذا المكان بالذات يصبح ضرورة لابد منها ولا غنى عنها، حتى لا يتأثر هذا الإنسان بهذا الجو الموبوء، الذي يحوِّل التاجر إلى فاجر، والفاجر في النار وثمة روايات أخر في ذم الأسواق[213].