قالت أم سعد وهي تدرك أن هناء تعلم ماذا يعني لها ذلك اليوم.. فقررت أن تقضي.
وطفليها، الليلة معها، لتخفف عنها ما يمكن أن تحمله لها الذكريات.
تهدلت خصلة شعرها الفضي على جبينها.
أزاحتها.. وهي تحدث نفسها:
((آن الأوان لأعد لسعد طبق الحلوى الذي يحبه.. قبل حلول الليل))..
المحاق حدث ذلك في منتصف ليلة تشرينية عاصفة.. كان البرد قد جاء مبكراً في ذلك العام.. قبل أن يذهب سعد وهناء إلى غرفة نومهما بعد أن تناولا وأمهما عشاء خفيفاً، كانت نشرة الأنواء الجوية التي يبثها تلفزيون بغداد، كل ليلة، قد تنبأت بليلة تسيح في سمواتها غيوم تسوقها ريح تفوق سرعتها سبعين كيلو متراً في الساعة.
بعد أن رقد سعد في فراشه أنارت هناء مصباحاً منضدياً ليبدد شيئاً من الظلمة.
أطفأت الأضواء السقفية وأوت إلى فراشها.
لم تنم سوى ساعات قلائل حين أفاقت على فحيح الريح.. فتحت عينيها قليلاً.. أضواء خافتة منبعثة من مصابيح الحديقة، كانت تتأرجح في جو الغرفة مرتمية على الجدران والسقف بفعل حركة الستائر الشفافة المسدلة على النوافذ.. والتي كانت الريح المتسللة عبر أُطر النوافذ تعبث بها.. نظرت إلى السماء البعيدة.. تبحث عن نجمة.. عن القمر.. لم يكن هناك غير سواد مخملي يجلل السماء ويلف الكون كله.. خُيلَ لها أنها سمعت أنيناً خافتاً فيه بحة.. خالت أن ما سمعته لم يكن غير أنين الريح.