معالم فی الطریق

سید قطب

نسخه متنی -صفحه : 125/ 81
نمايش فراداده

إن الجاهلية من حوله ، وبقية من رواسبها في نفسه وفي نفوس من حوله ، المعركة مستمرة ، والجهاد ماض إلى يوم القيامة .

على إيقاعات الحركة ، وفي أثناء الحركة ، يتحدد وضع كل فرد في هذا المجتمع ، وتحدد وظيفته ، ويتم التكوين العضوي لهذا المجتمع بالتناسق بين مجموعة أفراده ومجموعة وظائفه .

هذه النشأة ، وهذا التكوين ، خاصيتان من خصائص المجتمع الإسلامي تميزانه ، تميزان وجوده وتركيبه ، وتميزان طابعه وشكله ، وتميزان نظامه والإجراءات التنفيذية لهذا النظام أيضاً ، وتجعلان هذه الملامح كلها مستقلة ، ولا تعالج بمفهومات اجتماعبية أجنبية عنها ، ولا تدرس وفق منهج غريب عن طبيعتها ، ولا تنفذ بإجراءات مستمدة من نظام آخر !

إن المجتمع الإسلامي - كما يبدو من تعرفينا المستقل للحضارة - ليس مجرد صورة تاريخية ، يبحث عنها في ذكريات الماضي ، إنما هو طلبة الحاضر وأمل المستقبل . إنه هدف يمكن أن تستشرفه البشرية كلها اليوم وغذاً ، لترتفع به من وهدة الجاهلية التي تتردى فيها ، سواء في هذه الجاهلية الأمم المتقدمة صناعياً واقتصادياً والأمم المتخلفة أيضاً.

إن تلك القيم التي أشرنا إليها إجمالاً هي قيم الإنسان ، لم تبلغها الإنسانية إلا في فترة " الحضارة الإسلامية " . ( ويجب أن ننبه إلى ما نعنيه بمصطلح " الحضارة الإسلامية " . . إنها الحضارة التي توافرت فيها تلك القيم ، وليست هي كل تقدم صناعي أو اقتصادي أو علمي مع تخلف القيم عنها ) .

وهذه القيم ليست " مثالية خيالية " إنما هي قيم واقعية عملية ، يمكن تحقيقها بالجهد البشري - في ظل المفهومات الإسلامية الصحيحة - ، يمكن تحقيقها في كل بيئة بغض النظر عن نوع الحياة السائدة فيها ، وعن تقدمها الصناعي والاقتصادي والعلمي . . فهي لا تعارض - بل تشجع بالمنطق والعقيدي ذاته - التقدم في كافة حقوق الخلافة ، ولكنها في الوقت ذاته لا تقف مكتوفة اليدين في البلاد التي لم تتقدم في هذه الحقول بعد .

إن الحضارة يمكن أن تقوم في كل مكان وفي كل بيئة . . تقوم بهذه القيم . أما أشكالها المادية التي تتخذها فلا حد لها ، لأنها في كل بيئة تستخدم المقدرات الموجودة بها فعلاً وتنميها .