آفاق الروایة

محمد شاهین

نسخه متنی -صفحه : 137/ 103
نمايش فراداده

هذا هو وضع موران الجديد وهي تصبح وطناً مستباحاً للمستثمرين أمثال صبحي المحملجي!

"موران التي كانت تغرق في الرخاوة والتأمل والانتظار، بدأت تنتفض وتتغيّر: أبنية من أنماط وأشكال لا حصر لها تقوم وتنتشر في كل مكان، شوارع تُشقّ وسط المدينة وعلى أطرافها، وقريباً من منطقة القصور، كما سميت منطقة الغدير، فتبدو بقايا البيوت والجدران والأشجار وكأنها آثار عصور قديمة خلّفتها هزّة مفاجئة. الأجانب يصلون ويتكاثرون كل يوم، ولا يطول بهم الوقت حتى يستقرّوا. الأعمال تتزايد وتتداخل بحيث لا يعرف الإنسان هل يواصل في الغد ما بدأه اليوم أم ينتقل إلى عمل آخر. والحياة، بكلمة موجزة، تتقطّع جذورها، تضطرب، تتغيّر، لكن لا أحد يعرف ماذا سيصير.

صحيح أنّ الأمر اختلف كثيراً عمّا حدث في حرّان أو رأس الطواشي، وعمّا حصل في بدرة وأم العوالي وعجرة، لأنّ كل بناء يشاهد هنا، أو كل شارع يشقّ، يضيف إلى الركام الموجود قروحاً جديدة وركاماً جديداً، حتى لتبدو موران كالأحشاء المتناثرة، أو كأكوام القمامة في هذا المدى الصحراوي اللامتناهي. وهذا المنظر الذي يمرض أي إنسان مقيم، ويجعله في حالة من التوتّر والحزن، فلا يعرف هل يمكن بعد الذي حدث في هذه المدينة التي تعوّد عليها وألفها منذ أن فتح عينه على الحياة، أن تعود إلى حالتها السابقة، أو إلى شيء من الانسجام؟ والغريب الذي يصل إلى موران لأول مرّة، لا يعرف هل جنّ الناس فيها، فحمل كل واحد معوله وأخذ ينتقم من المدينة ويقوّضها دون رحمة وبأسرع وقت؟ حتى المهندسون، أو من يفترض أنهم كذلك، والذين يقودون مجموعات من البشر والآلات هنا وهناك، ويبدأون بشراسة في تمزيق أحياء المدينة وبيوتها، كانوا يفعلون شيئاً ثمّ يتراجعون، لا يلبثون أن يعودوا إليه مرّة أخرى، وقد بدت على وجوههم وتصرّفاتهم علائم الحيرة والترقب، حتى إذا غرقوا في الأنقاض وتاهوا في المنعطفات والتقاطعات، جاء غيرهم ليواصلوا العمل ذاته أو ليبدأوا عملاً غيره.