آفاق الروایة

محمد شاهین

نسخه متنی -صفحه : 137/ 104
نمايش فراداده

مدينة لا ترحم نفسها ولا ترحم ساكنيها: مجموعة من الأنقاض تتزايد كل يوم. والناس يتطلّعون حولهم بحيرة أو بتشفّ، لكن برغبة وحيدة أيضاً: أن يخلصوا من هذا الذي يجري. ولأنّ الحكيم يرى موران على مصوّرات المهندسين المليئة بالعذوبة والشفافية، والمليئة بالأشجار أيضاً، فإنّه لا يرى الشقاء ومدى العذاب الذي ينزل بالناس من حوله، ولذلك وجّه اهتماماً متزايداً إلى شيئين اثنين: الأراضي، والفكر، ففي النهار لا يتوقّف لحظة واحدة عن "دراسة المخططات". كان يفعل ذلك بكثير من الحماس والاهتمام، ولا يتردّد في استدعاء مهندسي البلدية ودار الإمارة لمناقشتهم في جميع التفاصيل المتعلقة بمستقبل موران، حتى إذا "حفظ المخططات" يوماً بعد يوم، شهراً بعد آخر، أرسل رجاله لمساعدة المعوزين في أطراف المدينة، عارضاً عليهم أن يشتري الأراضي البور التي يملكونها. وأنّه مستعدٌ لأن يدفع لهم فوراً مبالغ يمكن أن تساعدهم في أن يبدأوا حياة جديدة!

بعد أن ينتهي عمل النهار الشاق الطويل، ويعود الحكيم إلى قصر الحير، يخصص جزءاً طويلاً من ليله للتأمّل والتفكير بنظرية المربّع.

الذين عرفوا أو سمعوا بما يفعله الحكيم، وكيف إنّه يبحث عن الفقراء في الليل والنهار لكي ينقذهم من فقرهم، ولكي يؤمّن لهم أعمالاً في البلدية ودار الإمارة، قلبوا شفاههم بشكّ وتساؤل.

مالك الفريح عرف قبل الآخرين أنّ الحكيم لم يترك أرضاً في موران إلاّ واشتراها أو ساوم على شرائها، منفرداً أو مع آخرين، فكان يهزّ رأسه ويخرج صوته من أنفه:

-والله... والله إذا لقي شبر أرض واحد في موران كلها يندفن فيه ما أكون أبو صفوق!" (منيف، 248-49).