آلیات الخطاب النقدی العربی الحدیث فی مقاربة الشعر الجاهلی

محمد بلوحی

نسخه متنی -صفحه : 139/ 12
نمايش فراداده

كان للقراءة التاريخية أهمية علمية في التوثيق للظواهر الإبداعية من حيث نشأتها ومواصفاتها، ومن حيث أخبار مبدعيها وما أضاف لها الرواة من خيالهم المتمثل في تلك القصص القريبة من إبداع الخيال أكثر من أن تكون حقائق تاريخية، بالإضافة إلى انكبابها على جمع التراث الإبداعي وبخاصة الشعري، وتحقيقه تحقيقاً علمياً وفر المجال العلمي الخصب للقراءات اللاحقة وبخاصة القراءة النفسية والاجتماعية لتطبيق الكثير من مقولاتها على هذا التراث؛ وبذلك فهي مدينة بالشيء الكثير لهذه الرؤية التاريخية.

إن تطوَّر المعرفة بحكم ما استجد في البحث العلمي، وتطعيم النقد الأدبي بمعطيات العلوم الإنسانية في التعامل مع الكثير من الظواهر الإبداعية وبخاصة التراثية منها كالشعر الجاهلي، وعلى وجه الخصوص علم النفس، وعلم الاجتماع، أدى إلى تجاوز القراءة التاريخية إلى مناهج سياقية أخرى، وبخاصة النفسية منها، نظراً لما توافر لها من تراكمات معرفية، وأدوات إجرائية، حوَّلت الكثير من المفاهيم النظرية التي تفرعت عن مدارس علم النفس، وعلم الاجتماع المختلفة إلى أدوات نقدية، وجدت فيها القراءات السياقية ميداناً رحباً في مجال التفسير.

كان الشعر الجاهلي من الموضوعات التراثية التي وجدت فيها القراءة العربية ذات المنحى التاريخي الميدان الخصب لتطبيق الكثير من رؤاها ومقولاتها، وأدواتها الإجرائية، نظراً لخصوصية طابعه من حيث البيئة التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي نشأ فيها، بوصفه أحد المنابع التي نهلت منها الثقافة العربية عبر عصورها المختلفة، وبشتى اتجاهاتها.

يتميَّز الشعر الجاهلي بهذه الخصوصية التي جعلت منه حقلاً رحباً لكثير من المقاربات ذات المنحى السياقي أو النسقي، والقراءة التاريخية إحدى المقاربات التي انكبت على رسم المعالم الوثائقية للشعر الجاهلي، فانبرت إما مدافعة عنه بمدارستها لجملة الظواهر والإشكالات التي أثيرت من حوله، ساعية بكلِّ ما أوتيت من جهدٍ من أجل الإحاطة بها وفق منهج علميٍّ مؤسس، أو مشككة في جوانب كثيرة من أسباب وجوده، والمحيط الذي أنتجه، والطرق التي اعتمد عليها في نقله، والرجال الذين عملوا من أجل توثيقه ونقله من الطابع الشفهي إلى طابع كتابي موثق.