ابعاد الحج فی کلام الامام الخمینی

جمعیة المعارف الاسلامیة الثقافیة

نسخه متنی -صفحه : 16/ 3
نمايش فراداده

الموعود روحي فداه في آخر الزمان، وسيبقى مرتفعاً. قال الله تعالى لخليله إبراهيم:

{وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}. وقال عزّ من قائل:

{وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والرّكّع السجود}. وهذا تطهير من كل الأرجاس وعلى رأسها الشرك كما في صدر الآية الكريمة، وفي سورة التوبة نقرا:

{وآذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله}. المسجد الحرام بيت الجميع:

بيت الله الحرام أوّل بيت بني للناس، هو بيت للجميع، الجميع سواسية هناك. فأهل البادية، وسكّان الصحارى، والذين يحملون بيوتهم على أكتافهم، متساوون مع العاكفين في الكعبة وسكّان المدن، ورعايا الدول. هذا البيت شيّد للناس ولأجل نهضة الناس، نهضة الجميع ولأجل منافع الناس. المسجد الحرام ليس للعبادة فقط:

إن المسجد الحرام والمساجد الأخرى في زمان رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت مراكز عسكرية وسياسية واجتماعية ولم يكن مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجل الأمور العبادية فقط كالصلاة والصيام، بل كانت المسائل السياسية هي الأغلب، فكانت الأمور التي تتعلق بإرسال الرجال إلى الحرب وتعبئة الناس إنما تبدأ من المسجد في أي وقت يحتاجون فيه لذلك. أهمية البعد المعنوي للحج:

إن المراتب المعنوية للحج هي رأسمال الحياة الخالدة وهي التي تقرب الإنسان من أفق التوحيد والتنزيه، وسوف لن نحصل على شيء ما لم نطبق أحكام وقوانين الحج العبادية بشكل صحيح وحسن، وحرفاً بحرف، وعلى الحجّاج المحترمين والعلماء المعظمين مسؤولي قوافل الحجّاج أن يصرفوا وقتهم ويكون كل همّهم تعليم وتعلم مناسك الحج، وعلى العارفين مراقبة من يرافقهم حتى لا يتخلف أحد عن الأوامر لا سمح الله، إن البعد السياسي والاجتماعي للحج لا يتحقق إلا بعد أن يتحقق البعد المعنوي والإلهي وأن تكون كلمة "لبيك" التي تتلفظون بها استجابة لدعوة الحق تعالى. وأنتم محرومون لأجل الوصول إلى ساحة الحق المقدسة تشعرون بأنفسكم أن التلبية لأجل الحق تعالى، تنفون صفة الشرك بجميع مراتبها، وتهاجرون بأنفسكم التي هي منشأ الشرك الكبير نحو الباري جلّ وعلا، والأمل في أن ينال الباحثون عن ذلك أجرهم وهو على الله فيما لو أدركهم الموت وهم في طريق هجرتم. سرُّ التلبية:

إن هذه المناسك العجيبة كلّها إشارات عرفانية وروحية لا يتّسع المجال لتفصيلها في هذا المقال. بدءاً من الإحرام والتلبية وحتى آخر المناسك. لذا سأكتفي بذكر بعض إشارات التلبية. إن لبَّيك التي تتكرر عدة مرات من إنسان، حقيقته أنّه يستجيب لدعوة الله بالاسم الجامع، ويستمع بروحه لنداء الحق، فالمسألة هي مسألة الحضور بين يدي الله ومشاهدة جمال المحبوب. ويحكى أن المتحدث في هذه الساحة المقدسة يتجاوز ذاته لينفي وهو يكرر استجابته الدعوة ويعقب بعد ذلك بنفي الشريك لله. بالمعنى المطلق الذي يعلمه أهل الله ليس الشريك في الألوهية فقط، وإن كان نفي الشريك في هذا المقام أيضاً شاملاً لجميع المراتب حتى فناء العالم في نظر أهل المعرفة ومشتمل على جميع الفقرات الاحتياطية والإستجابية مثل "الحمد لك والنعمة لك". والحمد هنا من اختصاص الذات المقدسة، وكذلك النعمة ونفي الشريك، وهذا غاية التوحيد عند أهل المعرفة، وهذا يعني أن كل حمد وكل نعمة تتحقق في عالم الوجود، هي حمد الله ونعمة الله بدون شريك، ويسري هذا المقصد وهذه الغاية على كل موقف ومشعر ووقوف وحركة وسكون وفي أي عمل، وخلاف ذلك إنما يكون الشرك بالمعنى الأعم، المبتلون به نحن جميعاً عمي القلوب. وإذا ما دفّنا في عالم النسيان الجهات المعنوية، لا تظنوا أنكم قادرون على التخلّص والتحرّر من مخالب شيطان النفس. وما دمتم في أسر وقيد ذواتكم وأهوائكم النفسانية، لن تستطيعوا جهاداً في سبيل الله ودفاعاً عن حرمات الله. وأنتم أيها الأعزّاء، إرجعوا إلى ذواتكم، وفكّروا بأبطال الجمهورية الإسلامية الذين حقّقوا الانتصارات الإلهية لأجل الإسلام والجمهورية الإسلامية. والآن يوجد بينكم بعض من الشهداء الأحياء يؤدّون مناسك الحج معكم، فخذوا العبرة من هذا التحوّل العظيم الذي حصل في داخلهم، وكان سبباً لكل التضحيات والفداء. وليعلم المسلمون أنه ما لم تحصل في داخلهم درجة من هذه التحوّلات، فإن شيطان النفس الإمّارة بالسوء، وشياطين الخارج، لن يدعوهم يفكروا بالأمة الإسلامية ومظلومي العالم. تحرّروا من غير الله:

في المواقيت الإلهية والمقامات المقدسة،