ويمكن الاستشهاد له برواية محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام قال :
" وعلة اغتسال من غسل الميت أو مسه الطهارة لما أصابه من نضح الميت ، لان الميت اذا خرج منه الروح بقى أكثر آفته . فلذلك يتطهر منه ويطهر " ( 2 ) .
لكن المكاتبة مع ضعفها ظاهرة في الطهارة من حدث الجنابة التي تعرض على الميت ، فان المعصوم عليه السلام لا تصيبه الجنابة الغير الاختيارية ، تأمل . أو في الطهارة من حدث الموت الموجب للغسل وللاغتسال من مسه أو منهما ومن النجاسة العينية بحيث يكون المجموع علة للاغتسال من مسه ، ومع الحرارة لا يوجبه . لفقد جزء منها ، فلا تدل على الملازمة المدعاة .
والثانية مع ضعفها سندا ووهنا متنا باشتمالها على أن غسل المس للتطهير من إصابة نضح الميت ورشحه اللازم منه عدم الغسل إذا مسه بلا نضح ورشح ، وهو كما ترى ، تأمل .
ثم أن الظاهر من قوله عليه السلام :
" يتطهر منه ويطهر " يغتسل من مسه ويغسل بمناسبة صدرها ، فالقول بالملازمة مما لا دليل عليه .
بل يمكن الاستشهاد بعدم الملازمة بمرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فاذا مسه الانسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل ، فان لم يكن
( 2 ) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 12 وفيه " من فضح الميت " . ( * )
وأما الميتة من غير ذي النفس فلا ينبغي الاشكال في طهارتها نصا وفتوى إلا في العقرب والوزغ والعظاية - وهي نوع من الوزغة ظاهرا - فانه يظهر من بعضهم نجاسة ميتتها ، كالشيخين في محكي المقنعة والنهاية بل عن الوسيلة أن الوزغة كالكلب نجسة حال الحياة .
والاقوى ماهو المشهور ، بل عليه الاجماع في محكي الخلاف والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى ، لقول الصادق عليه السلام في موثقة عمار الساباطي قال :
" سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال :
كل ما ليس له دم فلا بأس " ( 2 ) وموثقة حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال :
" لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة " ( 3 ) ولا إشكال فيهما سندا سيما أولاهما ، ولا دلالة ، ضرورة أن المراد من نفي البأس وعدم الافساد هو عدم التنجيس ، كما هو المراد منهما في سائر الموارد المشابهة للمقام ، وقد تقدم جملة أخرى من الروايات الدالة على المقصود .
وليس شئ صالح لتخصيص العام أو تقييد المطلق إلا موثقة
( 2 ) و ( 3 ) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات الحديث 1 - 2 . ( * )
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن جرة دخل فيها خنفساء قد مات ، قال :
ألقه وتوضأ منه ، وإن كان عقربا فأرق الماء وتوضأ من ماء غيره " ( 1 ) ونحوها رواية أبي بصير ( 2 ) .
ويمكن المناقشة في دلالتها على النجاسة ، لان العقرب لما كان من ذوي السموم يمكن أن يكون الامر بالاراقة لاجل سمه ، واحتمال دخوله في منافذ البدن عند التوضي ، فلا ظهور لمثله في أن الاراقة لنجاسته .
نعم يمكن التمسك لنجاسة ميتته برواية منهال قال :
" قلت لابي عبدالله عليه السلام :
العقرب يخرج من البئر ميتة ، قال :
استق منها عشرة دلاء ، قال :
قلت :
فغيرها من الجيف ، قال :
الجيف كلها سواء " الخ ( 3 ) بدعوى أن الحكم بالنزح لجيفة العقرب كما في سائر الجيف والتسوية بين الجيف كلها دليل على أن النزح لاجل ميتته وجيفته فتدل على النجاسة كما في سائر الجيف .
وهي غير بعيدة لولا ضعف سندها ومعارضتها بدوا لرواية علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام " عن العقرب والخنفساء وأشباههما يموت في الجرة والدن يتوضأ منه للصلاة ؟
( 2 ) عنه عن أبي جعفر عليه السلام قال :
" سألته عن الخنفساء تقع في الماء أيتوضأ به ؟ قال :
نعم لا بأس به ، قلت :
فالعقرب ، قال :
أرقه " راجع الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاسئار الحديث 5 .
( 3 ) راجع الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 7 . ( * )
لا بأس " ( 1 ) وصحيحة ابن مسكان قال :
قال أبوعبدالله عليه السلام :
" كل شئ يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس " ( 2 ) .
والجمع العرفي يقتضي عدم نجاسته وإن رجح الاستقاء عشرة دلاء للنظافة أو احتمال الضرر .
وإلا ما دلت على النزح من الوزغة كحسنة هارون بن حمزة الغنوي أو صحيحته عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" سألته عن الفارة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه ؟ قال :
يسكب منه ثلاث مرات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ ، فانه لا ينتفع
ورواية يعقوب بن عثيم قال :
" قلت لابي عبدالله عليه السلام :
سام أبرص وجدته قد تفسخ في البئر قال :
انما عليك أن تنزح منها سبع دلاء " ( 4 ) والظاهر أنه أيضا نوع من الوزغة .
وصحيحة معاوية بن عمار قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الفارة والوزغة تقع في البئر ، قال :
ينزح منها ثلاث دلاء " ( 5 ) لكنها محمولة على الاستحباب بقرينة غيرها ، كرواية جابر بن يزيد الجعفي
( 3 ) الوسائل - الباب - 19 - من ابواب الماء المطلق - الحديث 5 .
( 4 ) و ( 5 ) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الماء المطلق الحديث 7 - 2 . ( * )
" سألت أبا جعفر عليه السلام عن السام أبرص يقع في البئر فقال :
ليس بشئ ، حرك الماء بالدلو في البئر " ( 1 ) فان الظاهر منها أن سام أبرص ليس بشئ ينجس الماء ، لا أن ماء البئر معتصم .
ومرسلة ابن المغيرة عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" قلت :
بئر يخرج من مائها قطع جلود ، قال :
ليس بشئ . إن الوزغ ربما طرح جلده ، وقال :
يكفيك دلو من ماء " ( 2 ) دلت على عدم نجاستها عينا ، فتصير شاهدة على حمل رواية الغنوي على الكراهة .
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال :
" سألته عن العظاية والحية الوزغ يقع في البئر فلا يموت أيتوضأ منه للصلوات ؟ قال :
لا بأس به " ( 3 ) دلت على عدم نجاسته عينا .
وموثقة عمار عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث " أنه سئل عن العظاية يقع في اللبن قال يحرم اللبن قال :
إن فيها السم " ( 4 ) وهذه الموثقة حاكمة على سائر الروايات ومفسرة لها بأن علة النزح وعدم الانتفاع هو كونه ذا سم ، ونحن الآن لسنا بصدد بيان حرمة ما مات فيه الوزغ أو وقع فيه ، بل بصدد عدم نجاسته ، فلا إشكال فيه ، بل الاتكال على الروايات المتقدمة الواردة في النزح مع مخالفتها للمشهور أو المجمع عليه بين الاصحاب في غير محله ، بل تقدم الاشكال
( 3 ) الوسائل - الباب - 33 - من ابواب النجاسات - الحديث 1 .
( 4 ) الوسائل - الباب - 46 - من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 2 . ( * )
ثم أنه قد وقع في بعض الحيوانات كلام في كونه ذا نفس أولا ، وتحقيقه ليس من شأن الفقيه ، نعم في مورد الشبهة موضوعا فالمرجع هو الاصول .
وينبغي التنبيه على أمور :
منها أنه كل ما ينجس بالموت فما قطع من جسده حيا أو ميتا فهو نجس ، بلا خلاف ظاهرا كما في الحدائق ، ولا يعرف فيه خلاف بين الاصحاب كما عن المعالم ، وهو المقطوع به في كلامهم كما عن المدارك وعن الاستاذ الاكبر ان أجزاءه نجسة ولو قطعت من الحي باتفاق الفقهاء بل الظاهر كونه إجماعيا ، وعليه الشيعة في الاعصار والامصار ، وعن الذخيرة أن المسألة كأنها إجماعية ، ولو لا الاجماع لم نقل بها لضعف الادلة ، وقال في محكي المدارك :
" احتج عليه في المنتهى بأن المقتضى لنجاسة الجملة الموت ، وهذا المقتضي موجود في الاجزاء ، فيتعلق به الحكم ، وضعفه ظاهر ، إذا غاية ما يستفاد من الاخبار نجاسة جسد الميت وهو لا يصدق على الاجزاء قطعا ، نعم يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابا لحكمها حال الاتصال ، ولا يخفى ما فيه " انتهى .
اقول :
أما القطعة المبانة من الميت فلا ينبغي الاشكال في نجاستها لا للاجماع حتى يستشكل تارة بعدم ثبوته وتحصيله ، والمنقول منه في كتب المتأخرين غير حجة ، سيما مع ترديد النقلة ، كما يظهر من كلماتهم ، وأخرى بأنه مسألة اجتهادية فرعية لا يعلم ان استناد المجمعين
ولا للاستصحاب وإن كان جريانه مما لا إشكال فيه بعد وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها ، لان الجزء حال اتصاله بالكل كان نجسا قطعا ، ويشك في بقاء نجاستها بعد الانفصال ، ولا ريب في أن الاتصال والانفصال من حالات الموضوع ولا يوجبان تبدله .
وتوهم أن الاحكام تتعلق بالعناوين وعنوان الميتة لا يصدق على الجزء بعد الانفصال ، وانما يصدق على المجموع حال الاتصال ناش من الخلط بين موضوع الدليل الاجتهادي وموضوع الاستصحاب ، فان الاول هو العناوين ، ومع الشك في تبدلها لا يمكن التمسك بالدليل فضلا عما إذا علم ذلك ، كما في المقام ، لكن بعد تحقق العنوان خارجا بوجود مصداقه يصير المصداق الخارجي متعلقا لليقين بثبوت الحكم له ، فاذا تبدل بعض حالاته فصار منشئا للشك لا مانع من جريان الاستصحاب ، لوحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها ، فاذا تعلق حكم النجاسة بالميتة فلا إشكال في أنها تثبت لاجزائها ، كاليد والرجل وغيرهما عند تحقق العنوان في الخارج ، فيتعلق اليقين بنجاسة الاجزاء الخارجية ، وبعد الانفصال يصح أن يقال إني كنت على يقين من نجاسة هذه اليد الموجودة في الخارج فأشك في بقائها بعد الانفصال ، ولا إشكال في وحدة القضيتين وهي المعتبرة في الاستصحاب ، لا بقاء موضوع الدليل الاجتهادي ، فقول صاحب المدارك :