ولعله هو العمدة في الارواث لعدم إطلاق أو عموم معتد به يمكن الركون إليه ، وان لا يبعد في بعضها كما سيتضح الكلام فيه .
وأما الابوال فلا إشكال في دلالة كثير من الاخبار عموما أو إطلاقا على نجاستها فلا موجب لنقلها ، والاولى سرد الروايات الواردة في الارواث :
فمنها ما عن المختلف نقلا عن كتاب عمار بن موسى عن الصادق عليه السلام
" خرء الخطاف لا بأس به ، هو مما يؤكل لحمه لكن كره أكله لانه استجار بك وآوى إلى منزلك ، وكل طير يستجير بك فأجره " ( 1 ) .
بدعوى أن قوله :
" هو مما يؤكل " تعليل لعدم البأس ، وبرفع العلة يرفع عدم البأس ، وأن المراد بعدم البأس صحة الصلاة معه وجواز شرب ملاقيه وغير ذلك ولو بملاحظة معهوديته من البأس واللابأس في خرء الحيوان وبوله ، وبقرينة الروايات الواردة في أبوال مالا يؤكل لحمه .
وفيها بعد الغض عن أن الرواية بعينها نقلت في باب المطاعم عن الشيخ باسناده عن عمار ، وفيها :
" الخطاف لا بأس به " من غير كلمة " خرء " واحتمال كونها رواية أخرى نقلها العلامة وأهملها الشيخ في غاية البعد ، بل مقطوع الفساد ، نعم يحتمل اختلاف النسخ فدار الامر بين الزيادة والنقيصة ، فان قلنا بتقدم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة لدى العقلاء خصوصا في المقام مما يظن لاجل بعض المناسبات وجود لفظ الخرء صح الاستدلال بها . لكن اثبات بنائهم على ذلك مشكل ، بل اثبات بنائهم على العمل بمثل الرواية ايضا مشكل ، وقد حرر في محله أنه لا دليل على حجية خبر الثقة الا بناءهم المشفوع بامضاء الشارع .
أن غاية ما يستفاد من اطلاق التعليل أن أكل اللحم تمام العلة وتمام الموضوع لعدم البأس ، وأما انحصارها به فغير ظاهر ، ولا يكون مقتضى الاطلاق ، فيمكن قيام علة أخرى مقامها عند عدمها ، وبعبارة أخرى أن الاطلاق يقتضى عدم دخالة شئ غير المأكولية في نفي البأس فتكون تمام العلة له لا جزئها ، وهو غير الانحصار ، وما يفيد هو انحصارها
ودعوى أن العرف مع خلو ذهنه عن هذه المناقشة يفهم من الرواية أن في خرء غير المأكول بأسا غير مسلمة . مضافا إلى أن البأس أعم والمعهودية غير معلومة وقرينية أخبار الابوال غير ظاهرة ، مع كون البول أشد في بعض الموارد كلزوم تعدد غسله وعدم الاكتفاء بالاحجار فيه .
ومنها موثقة عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" كل ما يؤكل فلا بأس بما يخرج منه " ( 1 ) بدعوى أن تعليق الحكم على ما يؤكل يفيد العلية ، والكلام فيها كسابقتها ، مضافا إلى أنه لو سلم دلالتها فلا تدل على الكلية في مفهومها ، فغاية ما يثبت بها أن هذه الكلية غير ثابتة لما لا يؤكل ، بل لو سلم كون ما يخرج منه عبارة عن ما يخرج من طرفيه من البول والخرء ، فلا يثبت في المفهوم البأس فيهما ، فيمكن أن يكون في أحدهما بأس .
ومنها رواية الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام " في الرجل يطأ في العذرة أو البول أيعيد الوضوء ؟ قال :
لا ، ولكن يغسل ما أصابه " ( 2 ) وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال :
" سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة ؟ قال :
لا ، إلا أن يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء " ( 3 ) .
ورواية علي بن محمد في حديث قال :
" سألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب أيغسل ؟ قال :
ان كان استبان من
( 2 ) الوسائل - الباب - 26 - من ابواب النجاسات - الحديث 15 .
( 3 ) الوسائل - الباب - 8 - من ابواب الماء المطلق - الحديث 13 . ( * )
وصحيحة عبدالرحمان بن أبي عبدالله أو موثقته قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يصلي وفى ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته ؟ قال :
ان كان لم يعلم فلا يعيد " ( 2 ) .
وصحيحة محمد بن مسلم قال :
" كنت مع أبي جعفر عليه السلام إذ مر على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت :
جعلت فداك قد وطأت على عذرة فأصابت ثوبك . فقال أليس هي يابسة ؟ فقلت :
بلى ، قال :
لا بأس ، ان الارض يطهر بعضها بعضا " ( 3 ) إلى غير ذلك كبعض ما ورد في ماء البئر ( 4 ) وابواب المطاعم ( 5 ) .
ويظهر منها أن نجاسة العذرة بعنوانها كانت معهودة وان امكنت
( 2 ) الوسائل - الباب 40 - من ابواب النجاسات - الحديث - 5 .
( 3 ) الوسائل - الباب - 32 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 .
( 4 ) كموثقة عمار قال :
" سئل أبوعبد الله عليه السلام عن البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة او رطبة ، فقال :
لا بأس اذا كان فيها ماء كثير " وكصحيحة اسماعيل بن بزيع قال :
" كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول او دم ، او يسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة ونحوها ، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة ؟ فوقع عليه السلام بخطه في كتابي :
ينزح دلاء منها " وقريب منها غيرها المروية في الوسائل - الباب 14 و 20 - من ابواب الماء المطلق .
( 5 ) راجع الوسائل - الباب 27 - 28 - 29 - من ابواب الاطعمة المحرمة . ( * )
الغائط وأردء ما يخرج من الطعام " ونحوه في المعيار والمنجد ، وفي الصحاح " الخرء بالضم :
العذرة ، والجمع الخروء ، وقال يهجو :
كأن خروء الطير فوق رؤسهم " وفي المجمع :
" العذرة وزان كلمة الخرء " وفي القاموس :
" الخرء بالضم العذرة " وقريب منه ما في المنجد والمعيار وعن الصراح :
" عذره بليدى مردم وستور وجز آن " ونحوه عن منتهى الارب .
ويظهر من الفقهاء في المكاسب المحرمة اطلاق العذرة على مطلق مدفوع الحيوان ، وحملوا رواية " لا بأس ببيع العذرة " على عذرة ما يؤكل لحمه ، واستندوا في حرمة عذرة غير المأكول على الاجماع المدعى على حرمة بيع العذرة ، وبالجملة يظهر منهم اطلاق العذرة على مدفوع مطلق الحيوان .
وتدل على عدم الاختصاص بعذرة الانسان مضافا إلى صحيحة عبد الرحمان المتقدمة رواية سماعة قال :
" سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام وأنا حاضر فقال :
اني رجل أبيع العذرة فما تقول ؟ قال :
حرام بيعها وثمنها ، وقال لا بأس ببيع العذرة " ( 1 ) حيث تدل ان العذرة :
منها ما يجوز بيعها ومنها مالا يجوز ، وقد حملوا الجزء الثاني منها على عذرة الحيوان المحلل اللحم .
وتؤيده صحيحة ابن بزيع في أحكام البئر قال :
" كتبت إلى
أو يسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة ونحوها " ( 1 ) بناءا على كون البعرة مثالا للعذرة ، لكن في رواية أخرى بدل " من عذرة " " من غيره " ودعوى انصراف العذرة إلى ما هي محل الابتلاء كعذرة الانسان والسنور والكلب دون السباع ونحوها غير وجيهة ، لفهم العرف أن حكم النجاسة ثابت لذات العذرة من غير دخالة للاضافة إلى صاحبها ، ولعدم الانصراف عن عذرة بعض الطيور وبعض الحيوانات كالقردة والخنازير مما يبتلى بها ولو قليلا ، وعدم الفصل جزما بينها وبين غيرها ، مع أن اطلاق الخرء على رجيع الطيور والفارات والكلاب شايع ظاهرا ، وهو مساوق للعذرة كما مر من كتب اللغة المتقدمة .
لكن مع ذلك اثبات كون العذرة الواردة في الروايات شاملة لفضلة جميع الحيوانات مشكل ، أما أولا فلاختلاف اللغويين في ذلك فعن جمع منهم الاختصاص بفضلة الآدمي ، كالهروى والغريبين ومهذب الاسماء وتهذيب اللغة ودائرة المعارف للفريد ، بل الظاهر من محكي ابن الاثير .
وأما ثانيا فلقرب احتمال انصرافها إلى فضلة الآدمي لو فرض كونها أعم . وأما ثالثا فلعدم الاطلاق في الروايات الواردة لاثبات الحكم كما ستأتي الاشارة اليه .
وكيف كان لا اشكال في نجاسة البول والغائط من الحيوان الغير المأكول الذي له نفس سائلة الا ما استثنى كما يأتي لما مر حكاية الاجماع عليها بل في بعضها واضحة .
منها قالوا :
لا فرق بين غير المأكول الاصلي والعرضي كالجلال والموطوء ، وعن الغنية الاجماع على نجاسة خرء مطلق الجلال وبوله ، وعن المختلف والتنقيح والمدارك والذخيرة الاجماع على نجاسة ذرق الدجاج الجلال ، وعن ظاهر الذخيرة والدلائل الاجماع على نجاسة الجلال والموطوء وكل مالا يؤكل لحمه ، وعن التذكرة والمفاتيح نفي الخلاف في إلحاق الجلال من كل حيوان والموطوء بغير المأكول في نجاسة البول والعذرة وهو العمدة .
ولولاه لكان للخدشة في الحكم مجال ، لان الظاهر مما يؤكل ومالا يؤكل المأخوذين في الادلة هو الانواع كالبقر والغنم والابل والكلب والسنور والفأر لا أشخاص الانواع ، فكأنه قال :
اغسل ثوبك من أبوال كل نوع لا يؤكل لحمه كما يظهر من الامثلة التي في بعض الروايات .
ففي صحيحة عبدالرحمان بن أبي عبدالله أو موثقته قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم . أيغسله أم لا ؟ قال :
يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، وأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله " ( 1 ) وعنه ( ع ) مثله الا أنه قال :
" وينضح بول البعير والشاة ، وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله " ( 2 ) إلى غير ذلك مما هي ظاهرة في أن الحكم في الطرفين معلق على الانواع .
ولا ريب في ان الظاهر من ذلك التعليق أن النوع مما اكل أولا ،
وأما الاستشهاد للمطلوب بما ورد من غسل عرق الجلال ففي غير محله ولو قلنا بنجاسته ، لحرمة القياس ، ودعوى الاولوية غير مسموعة بعد احتمال كون نجاسة عرقه لكونه فضل العذرة بخلاف بوله ، مع أن الاقوى عدم نجاسة عرق ما عدى الابل الجلال كما يأتي .
نعم لو اغمض عما ذكرنا ، فلا مجال للقول بتعارض ما دل على نجاسة بول غير المأكول وروثه مع ما دل على طهارتهما من الغنم والبقر تعارض العموم من وجه ، فيرجع إلى أصالة الطهارة واستصحابها ، لتقدم الاولى على الثانية بنحو من الحكومة ، لان المأكولية وغيرها من الاوصاف الانتزاعية الزائدة على الذات ، والدليل الدال على الحكم المعلق عليها مقدم عرفا على الدال على الحكم المعلق على عناوين الذات .
وكيف كان لا مجال للتشكيك في الحكم بعد ما عرفت من تسلمه بين الاصحاب وان احتمل أن يكون مستندهم فيه هو الادلة اللفظية ، بدعوى عمومها للمحرم بالعرض كما صرح به بعضهم ، وبعد وصول شئ آخر اليهم غير ما وصل الينا ، لكن مع ذلك الاقوى ما عليه الاصحاب ولفهم العلية من الادلة والدوران مدارها ببركة فهمهم منها . وامكان دعوى إطلاق ادلة نجاسة البول والعذرة ، والمتيقن من الخروج هو ما للمأكول فعلا ، والمتأيد في روثه بأنه من فضل العذرة ، وهو أردء منها .
ومنها :
اختلفوا في رجيع الطير ، فعن الصدوق في الفقيه :
" لا بأس بخرء ما طار وبوله " واطلاقه يقتضي عدم الفرق بين المأكول وغيره ،