إنما يكفر إذا جحد " ( 3 ) ولعل المراد أنه لا يحكم بكفره إلا مع الجحود ، ومن المحتمل أن يكون " يكفر " من التفعيل مبنيا للمفعول .
بل هو مقتضى الجمع بين صدرها وذيلها ، ومقتضى الجمع بينها
" قلت لابي عبدالله عليه السلام :
من شك في رسول الله صلى الله عليه وآله قال :
كافر ، قال :
قلت :
فمن شك في كفر الشاك فهو كافر ؟ فأمسك عني ، فرددت عليه ثلاث مرات ، فاستبنت في وجهه الغضب " ( 1 ) وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة :
" لا ترتابوا فتشكوا ، ولا تشكوا فتكفروا " ( 2 ) وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" من شك في الله تعالى وفي رسوله صلى الله عليه وآله فهو كافر " ( 3 ) .
وبالجملة لا إشكال بحسب ارتكاز المتشرعة في مقابلة الكفر والاسلام وأن الكافر من لم يكن مسلما ، ومن شأنه ذلك ، فلابد في تحصيل معنى الكفر من تحصيل مفهوم الاسلام حتى يتضح هو بمقابلته .
فنقول :
إن المسلم بحسب إرتكاز المتشرعة هو المعتقد بالله تعالى ، ووحدانيته ، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو الشهادة بالثلاثة على احتمالين يأتى الكلام فيهما .
وهذه الثلاثة مما لا شبهة ولا خلاف في اعتبارها في معنى الاسلام ويحتمل أن يكون الاعتقاد بالمعاد إجمالا أيضا مأخوذا فيه لدى المتشرعة على تأمل يأي وجهه .
( 2 ) أصول الكافي ج 2 ص 399 من الطبعة الحديثة ( باب الشك - الحديث 2 ) .
( 3 ) أصول الكافى - ج 2 ص 386 من الطبعة الحديثة ( باب الكفر - الحديث 10 ) . ( * )
لكن اغتر بعض من اختلت طريقته ببعض ظواهر الاخبار وكلمات الاصحاب من غير غور إلى مغزاها ، فحكم بنجاستهم وكفرهم ، وأطال في التشنيع على المحقق القائل بطهارتهم بما لا ينبغى له وله ، غافلا عن أنه حفظ أشياء هو غافل عنها ، فقد تمسك لنجاستهم بأمور :
منها روايات مستفيضة دلت على كفرهم ، كموثقة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال :
" إن الله تعالى نصب عليا علما بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن جاء بولايته دخل الجنة ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالا ، ومن نصب معه شيئا كان مشركا ، ومن جاء بعدواته دخل النار " ( 1 ) .
ورواية أبي حمزة قال :
" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :
إن عليا باب فتحه الله تعالى من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان
" فمن عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا - - إلى أن قال - :
ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء بعدواته دخل النار " . ( * )
كل كافر نجس ، ولا دليل عليها سوى توهم إطلاق معاقد إجماعات نجاسة الكفار .
وهو وهم ظاهر ، ضرورة أن المراد من الكفار فيها مقابل المسلمين الاعم من العامة والخاصة ، ولهذا ترى إلحاقهم بعض المنتحلين إلى الاسلام كالخوارج والغلاة بالكفار ، فلو كان مطلق المخالف نجسا عندهم فلا معنى لذلك ، بل يمكن دعوى الاجماع أو الضرورة بعدم نجاستهم ، وتخيل أن المحقق أول من قال بطهارتهم باطل ، لقلة مصرح بنجاستهم قبله أيضا .
نعم قد صرح جمع بكفرهم ، منهم المحقق في أوصاف المتسحقين من كتاب الزكاة ، قال :
" وكذا لا يعطى غير الامامي وإن اتصف بالاسلام ، ونعنى بهم كل مخالف في اعتقادهم الحق ، كالخوارج والمجسمة وغيرهم من الفرق الذين يخرجهم اعتقادهم عن الايمان - إلى أن قال - :
إن الايمان هو تصديق النبي صلى الله عليه وآله في كل ما جاء به ، والكفر جحود ذلك ، فمن ليس بمؤمن فهو كافر " انتهى .
ومع ذلك قد صرح بطهارتهم في كتاب الطهارة ، فالقول بكفرهم وطهارتهم غير متناقضين ، لعدم الدليل على نجاسة مطلق الكفار ، والعلامة أيضا - مع ظهور كلامه في محكي شرحه لكتاب فص الياقوت تصنيف الشيخ ابن نوبخت في كفرهم بالمعنى المعروف على تأمل - لم يحكم بنجاستهم في طهارة القواعد والتذكرة والمنتهى ، بل صرح في التذكرة بطهارة من عدا النواصب منهم ، فيظهر منه أن كفرهم لا يلازم نجاستهم .
" دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يفسقهم " ولا من قول ابن ادريس المحكي عن السرائر بعد اختيار عدم جواز الصلاة على المخالف تبعا للمفيد " وهو أظهر ، ويعضده القرآن ، وهو قوله تعالى :
" ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " ( 1 ) يعني الكفار ، والمخالف لاهل الحق كافر بلا خلاف بيننا " انتهى .
ولعل السيد المرتضى أيضا حكم بكفرهم دون نجاستهم وإن كان ما نقل عنه خلاف ذلك ، وهكذا حال سائر العبارات الموجبة لاغترار الغافل .
وبالجملة لو التزمنا بكفرهم لا يوجب ذلك الالتزام بنجاستهم بعد عدم الدليل عليها وعلى نجاسة مطلق الكفار الشامل لهم ، بل مع قيام الادلة على طهارتهم من النصوص المتفرقة في أبواب الصيد والذباحة وسوق المسلم وغيرها ، وتوهم أن المراد من المسلم في النصوص والفتاوى في تلك الابواب خصوص الشيعة الاثنى عشرية من أفحش التوهمات .
هذا كله لو سلم أنهم كفار ، مع أنه غير مسلم ، لتطابق النصوص والفتاوى في الابواب المتفرقة على إطلاق المسلم عليهم ، فلا يراد بذبيحة المسلمين ولا سوقهم وبلادهم إلا ما هو الاعم من الخاصة والعامة لو لم نقل باختصاصها بهم ، لعدم السوق في تلك الاعصار للشيعة كما هو ظاهر كما أن المراد من إجماع المسلمين في كتب أصحابنا هو الاعم من الطائفتين ، هذا مع ما تقدم من ارتكاز المتشرعة خلفا بعد سلف على إسلامهم .
وأما الاخبار المتقدمة ونظائرها فمحمولة على بعض مراتب الكفر ، فان الاسلام والايمان والشرك أطلقت في الكتاب والسنة بمعان مختلفة ،
9 - الآية 84 . ( * )
آمنا قل :
لم تؤمنوا ، ولكن قولوا أسلمنا ، ولما يدخل الايمان في قلوبهم " ( 1 ) وفى آية " فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا " ( 2 ) وفي آية " إن الدين عند الله الاسلام " ( 3 ) وفى آية " فان أسلموا فقد اهتدوا " ( 4 ) وفي آية " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام " ( 5 ) .
وفى رواية :
" الاسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها " ( 6 ) وفي أخرى " والاسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله " ( 7 ) وفى ثالثة :
" إن الله خلق الاسلام فجعل له عرصة ، وجعل له نورا ، وجعل له حصنا ، وجعل له ناصرا " الخ ( 8 ) وفي رابعة " الاسلام عريان فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت " ( 9 ) وفي خامسة " قال أمير المؤمنين عليه السلام :
لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا
49 - الآية 14 .
( 2 ) سورة الجن :
72 - الآية 14 .
( 3 ) و ( 4 ) سورة آل عمرآن :
3 - الآية 19 - 20 .
( 5 ) سورة الانعام :
6 - الآية 125 .
( 6 ) راجع أصول الكافي - ج 2 ص 26 من الطبعة الحديثة ( باب أن الايمان لا يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان - الحديث 5 ) ( 7 ) راجع المصدر المذكور آنفا ص 25 - الحديث 1 .
( 8 ) و ( 9 ) أصول الكافي - ج 2 ص 46 من الطبعة الحديثة ( باب نسبة السلام - الحديث 3 - 2 ) وفي بعض النسخ :
" وزينته الوقار " . ( * )
وكذا للايمان مراتب لو حاولنا ذكرها عما هو مقصدنا الآن ، وبازاء كل مرتبة من مراتب الاسلام والايمان مرتبة من مراتب الكفر والشرك ، فراجع أبواب أصول الكافي وغيره :
كباب وجوه الكفر وباب وجوه الشرك ، وباب أدنى الكفر والشرك ، ترى أنهما أطلقا على غير الامامي ، وعلى الكافر بالنعمة ، وعلى تارك ما أمر الله به ، وعلى تارك الصلاة . وعلى تاركها مع الجهد ، وعلى تارك عمل أقر به ، وعلى من عصى عليها عليه السلام ، وعلى الزاني وشارب الخمر ، ومن ابتدع رأيا فيحب عليه ويبغض ، ومن سمع عن ناطق يروي عن الشيطان ، وعلى من قال للنواة إنها حصاة وللحصاة إنها نواة ثم دان به ، وقد استفاضت الروايات في إطلاق المشرك على المرائي ، بل يستفاد من بعض الروايات أن من لقى الله وفي قبله غيره تعالى فهو مشرك ، إلى غير ذلك .
فهل لصاحب الحدائق وأمثاله أن يقولوا :
إن كل من أطلق في الروايات عليه المشرك أو الكافر فهو نجس ، وملحق بالكفار وأهل الكتاب ؟ فهلا تنبه بأن الروايات التي تشبث بها لم يرد في واحدة منها
أن من عرف عليا عليه السلام فهو مسلم ومن جهله فهو كافر ، بل قابل في جميعها بين المؤمن والكافر ، والكافر المقابل للمسلم غير المقابل للمؤمن .
ثم مع الغض عن كل ذلك فقد وردت روايات أخر حاكمة عليها لا يشك معها ناظر في أن إطلاق الكافر عليهم ليس على ما هو موضوع للنجاسة وسائر الآثار الظاهرة ، كموثقة سماعة قال :
" قلت :
لابي عبدالله عليه السلام أخبرني عن الاسلام والايمان انهما مختلفان ؟ فقال إن الايمان يشارك الاسلام ، والاسلام لا يشارك الايمان ، فقلت :
فصفهما لي ، فقال :
الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس " الخ ( 1 ) .
وحسنة حمران بن أعين أو صحيحة عن أبي جعفر عليه السلام قال :
" سمعته يقول :
الايمان ما استقر في القلب وافضى به إلى الله وصدقه العمل بالطاعة لله ، والتسليم لامر الله ، والاسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح - إلى أن قال :
فهل للمؤمن فضل على المسلم في شئ من الفضائل والاحكام والحدود وغير ذلك ؟ فقال :
لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم " الخ ( 2 ) . وبعض فقرات هذا الحديث لا يخلو من
( 2 ) راجع المصدر المذكور آنفا ص 26 - الحديث 5 . ( * )
ورواية سفيان بن السمط قال :