کتاب الطهارة

سید روح الله الخمینی

جلد 3 -صفحه : 76/ 41
نمايش فراداده

إنما يكفر إذا جحد " ( 3 ) ولعل المراد أنه لا يحكم بكفره إلا مع الجحود ، ومن المحتمل أن يكون " يكفر " من التفعيل مبنيا للمفعول .

بل هو مقتضى الجمع بين صدرها وذيلها ، ومقتضى الجمع بينها


هامش: ( 1 ) راجع أصول الكافي - ج 3 ص 37 ( باب أن الاسلام قبل الايمان ) ( 2 ) هذه الرواية ضعيفة ، لان في سندها محمد بن سنان على ما في أصول الكافي ج 2 - ص 388 من الطبعة الحديثة ( باب الكفر - الحديث 19 ) ( 3 ) أصول الكافى ج 2 ص 399 من الطبعة الحديثة ( باب الشك - الحديث 3 ) . ( * )

315

وبين غيرها مما حكم فيه بكفر الشاك كصحيحة منصور بن حازم قال :

" قلت لابي عبدالله عليه السلام :

من شك في رسول الله صلى الله عليه وآله قال :

كافر ، قال :

قلت :

فمن شك في كفر الشاك فهو كافر ؟ فأمسك عني ، فرددت عليه ثلاث مرات ، فاستبنت في وجهه الغضب " ( 1 ) وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة :

" لا ترتابوا فتشكوا ، ولا تشكوا فتكفروا " ( 2 ) وفي صحيحة ابن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال :

" من شك في الله تعالى وفي رسوله صلى الله عليه وآله فهو كافر " ( 3 ) .

وبالجملة لا إشكال بحسب ارتكاز المتشرعة في مقابلة الكفر والاسلام وأن الكافر من لم يكن مسلما ، ومن شأنه ذلك ، فلابد في تحصيل معنى الكفر من تحصيل مفهوم الاسلام حتى يتضح هو بمقابلته .

فنقول :

إن المسلم بحسب إرتكاز المتشرعة هو المعتقد بالله تعالى ، ووحدانيته ، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو الشهادة بالثلاثة على احتمالين يأتى الكلام فيهما .

وهذه الثلاثة مما لا شبهة ولا خلاف في اعتبارها في معنى الاسلام ويحتمل أن يكون الاعتقاد بالمعاد إجمالا أيضا مأخوذا فيه لدى المتشرعة على تأمل يأي وجهه .


هامش: ( 1 ) أصول الكافى ج 2 ص 387 من الطبعة الحديثة ( باب الكفر - الحديث 11 ) .

( 2 ) أصول الكافي ج 2 ص 399 من الطبعة الحديثة ( باب الشك - الحديث 2 ) .

( 3 ) أصول الكافى - ج 2 ص 386 من الطبعة الحديثة ( باب الكفر - الحديث 10 ) . ( * )

316

وأما الاعتقاد بالولاية فلا شبهة في عدم اعتباره فيه ، وينبغي أن يعد ذلك من الواضحات لدى كافة الطائفة الحقة إن أريد بالكفر المقابل له ما يطلق على مثل أهل الذمة من نجاستهم وحرمة ذبيحتهم ومساورتهم وتزويجهم ، ضرورة استمرار السيرة من صدر الاسلام إلى زماننا على عشرتهم ومؤاكلتهم ومساورتهم وأكل ذبائحهم والصلاة في جلودها ، وترتيب آثار سوق المسلمين على أسواقهم من غير أن يكون ذلك لاجل التقية ، وذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد تجشم .

لكن اغتر بعض من اختلت طريقته ببعض ظواهر الاخبار وكلمات الاصحاب من غير غور إلى مغزاها ، فحكم بنجاستهم وكفرهم ، وأطال في التشنيع على المحقق القائل بطهارتهم بما لا ينبغى له وله ، غافلا عن أنه حفظ أشياء هو غافل عنها ، فقد تمسك لنجاستهم بأمور :

منها روايات مستفيضة دلت على كفرهم ، كموثقة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال :

" إن الله تعالى نصب عليا علما بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمنا ، ومن جاء بولايته دخل الجنة ، ومن أنكره كان كافرا ، ومن جهله كان ضالا ، ومن نصب معه شيئا كان مشركا ، ومن جاء بعدواته دخل النار " ( 1 ) .

ورواية أبي حمزة قال :

" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :

إن عليا باب فتحه الله تعالى من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان


هامش: ( 1 ) أصول الكافي - ج 2 ص 388 من الطبعة الحديثة ( باب الكفر - الحديث 20 ) وفيه :

" فمن عرفه كان مؤمنا ومن انكره كان كافرا - - إلى أن قال - :

ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء بعدواته دخل النار " . ( * )

317

كافرا " ( 1 ) ونحوهما أخبار كثيرة ، وفيه أن كفرهم على فرض تسليمه لا يفيد ما لم يضم إليه كبرى كلية هي :

كل كافر نجس ، ولا دليل عليها سوى توهم إطلاق معاقد إجماعات نجاسة الكفار .

وهو وهم ظاهر ، ضرورة أن المراد من الكفار فيها مقابل المسلمين الاعم من العامة والخاصة ، ولهذا ترى إلحاقهم بعض المنتحلين إلى الاسلام كالخوارج والغلاة بالكفار ، فلو كان مطلق المخالف نجسا عندهم فلا معنى لذلك ، بل يمكن دعوى الاجماع أو الضرورة بعدم نجاستهم ، وتخيل أن المحقق أول من قال بطهارتهم باطل ، لقلة مصرح بنجاستهم قبله أيضا .

نعم قد صرح جمع بكفرهم ، منهم المحقق في أوصاف المتسحقين من كتاب الزكاة ، قال :

" وكذا لا يعطى غير الامامي وإن اتصف بالاسلام ، ونعنى بهم كل مخالف في اعتقادهم الحق ، كالخوارج والمجسمة وغيرهم من الفرق الذين يخرجهم اعتقادهم عن الايمان - إلى أن قال - :

إن الايمان هو تصديق النبي صلى الله عليه وآله في كل ما جاء به ، والكفر جحود ذلك ، فمن ليس بمؤمن فهو كافر " انتهى .

ومع ذلك قد صرح بطهارتهم في كتاب الطهارة ، فالقول بكفرهم وطهارتهم غير متناقضين ، لعدم الدليل على نجاسة مطلق الكفار ، والعلامة أيضا - مع ظهور كلامه في محكي شرحه لكتاب فص الياقوت تصنيف الشيخ ابن نوبخت في كفرهم بالمعنى المعروف على تأمل - لم يحكم بنجاستهم في طهارة القواعد والتذكرة والمنتهى ، بل صرح في التذكرة بطهارة من عدا النواصب منهم ، فيظهر منه أن كفرهم لا يلازم نجاستهم .


هامش: ( 1 ) أصول الكافي - ج 2 ص 388 الطبعة الحديثة ( باب الكفر - الحديث 16 ) . ( * )

318

ومن ذلك يعلم عدم استفادة النجاسة من مثل قول ابن نوبخت :

" دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يفسقهم " ولا من قول ابن ادريس المحكي عن السرائر بعد اختيار عدم جواز الصلاة على المخالف تبعا للمفيد " وهو أظهر ، ويعضده القرآن ، وهو قوله تعالى :

" ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " ( 1 ) يعني الكفار ، والمخالف لاهل الحق كافر بلا خلاف بيننا " انتهى .

ولعل السيد المرتضى أيضا حكم بكفرهم دون نجاستهم وإن كان ما نقل عنه خلاف ذلك ، وهكذا حال سائر العبارات الموجبة لاغترار الغافل .

وبالجملة لو التزمنا بكفرهم لا يوجب ذلك الالتزام بنجاستهم بعد عدم الدليل عليها وعلى نجاسة مطلق الكفار الشامل لهم ، بل مع قيام الادلة على طهارتهم من النصوص المتفرقة في أبواب الصيد والذباحة وسوق المسلم وغيرها ، وتوهم أن المراد من المسلم في النصوص والفتاوى في تلك الابواب خصوص الشيعة الاثنى عشرية من أفحش التوهمات .

هذا كله لو سلم أنهم كفار ، مع أنه غير مسلم ، لتطابق النصوص والفتاوى في الابواب المتفرقة على إطلاق المسلم عليهم ، فلا يراد بذبيحة المسلمين ولا سوقهم وبلادهم إلا ما هو الاعم من الخاصة والعامة لو لم نقل باختصاصها بهم ، لعدم السوق في تلك الاعصار للشيعة كما هو ظاهر كما أن المراد من إجماع المسلمين في كتب أصحابنا هو الاعم من الطائفتين ، هذا مع ما تقدم من ارتكاز المتشرعة خلفا بعد سلف على إسلامهم .

وأما الاخبار المتقدمة ونظائرها فمحمولة على بعض مراتب الكفر ، فان الاسلام والايمان والشرك أطلقت في الكتاب والسنة بمعان مختلفة ،


هامش: ( 1 ) سورة التوبة :

9 - الآية 84 . ( * )

319

ولها مراتب متفاوتة ومدارج متكثرة ، كما صرحت بها النصوص ، ويظهر من التدبر في الآيات ، ففى آية " قالت الاعراب :

آمنا قل :

لم تؤمنوا ، ولكن قولوا أسلمنا ، ولما يدخل الايمان في قلوبهم " ( 1 ) وفى آية " فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا " ( 2 ) وفي آية " إن الدين عند الله الاسلام " ( 3 ) وفى آية " فان أسلموا فقد اهتدوا " ( 4 ) وفي آية " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام " ( 5 ) .

وفى رواية :

" الاسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها " ( 6 ) وفي أخرى " والاسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله " ( 7 ) وفى ثالثة :

" إن الله خلق الاسلام فجعل له عرصة ، وجعل له نورا ، وجعل له حصنا ، وجعل له ناصرا " الخ ( 8 ) وفي رابعة " الاسلام عريان فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكل شئ أساس وأساس الاسلام حبنا أهل البيت " ( 9 ) وفي خامسة " قال أمير المؤمنين عليه السلام :

لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا


هامش: ( 1 ) سورة الحجرات :

49 - الآية 14 .

( 2 ) سورة الجن :

72 - الآية 14 .

( 3 ) و ( 4 ) سورة آل عمرآن :

3 - الآية 19 - 20 .

( 5 ) سورة الانعام :

6 - الآية 125 .

( 6 ) راجع أصول الكافي - ج 2 ص 26 من الطبعة الحديثة ( باب أن الايمان لا يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان - الحديث 5 ) ( 7 ) راجع المصدر المذكور آنفا ص 25 - الحديث 1 .

( 8 ) و ( 9 ) أصول الكافي - ج 2 ص 46 من الطبعة الحديثة ( باب نسبة السلام - الحديث 3 - 2 ) وفي بعض النسخ :

" وزينته الوقار " . ( * )

320

ينسبه أحد بعدي إلا بمثل ذلك . إن الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الاقرار ، والاقرار هو العمل ، والعمل هو الاداء " الخ ( 1 ) .

وكذا للايمان مراتب لو حاولنا ذكرها عما هو مقصدنا الآن ، وبازاء كل مرتبة من مراتب الاسلام والايمان مرتبة من مراتب الكفر والشرك ، فراجع أبواب أصول الكافي وغيره :

كباب وجوه الكفر وباب وجوه الشرك ، وباب أدنى الكفر والشرك ، ترى أنهما أطلقا على غير الامامي ، وعلى الكافر بالنعمة ، وعلى تارك ما أمر الله به ، وعلى تارك الصلاة . وعلى تاركها مع الجهد ، وعلى تارك عمل أقر به ، وعلى من عصى عليها عليه السلام ، وعلى الزاني وشارب الخمر ، ومن ابتدع رأيا فيحب عليه ويبغض ، ومن سمع عن ناطق يروي عن الشيطان ، وعلى من قال للنواة إنها حصاة وللحصاة إنها نواة ثم دان به ، وقد استفاضت الروايات في إطلاق المشرك على المرائي ، بل يستفاد من بعض الروايات أن من لقى الله وفي قبله غيره تعالى فهو مشرك ، إلى غير ذلك .

فهل لصاحب الحدائق وأمثاله أن يقولوا :

إن كل من أطلق في الروايات عليه المشرك أو الكافر فهو نجس ، وملحق بالكفار وأهل الكتاب ؟ فهلا تنبه بأن الروايات التي تشبث بها لم يرد في واحدة منها


المجلد:3 من ص 320 سطر: 19 الى ص 328 سطر: 18

أن من عرف عليا عليه السلام فهو مسلم ومن جهله فهو كافر ، بل قابل في جميعها بين المؤمن والكافر ، والكافر المقابل للمسلم غير المقابل للمؤمن .


هامش: ( 1 ) أصول الكافي - ج 2 ص 45 من الطبعة الحديثة ( باب نسبة الاسلام - الحديث 1 ) . ( * )

321

والانصاف أن سنخ هذه الروايات الواردة في المعارف غير سنخ ما وردت في الفقه ، والخلط بين المقامين أوقعه فيما أوقعه ، ولهذا أن صاحب الوسائل لم يورد تلك الروايات في أبواب النجاسات في جامعه ، لانها أجنبية عن افادة الحكم الفقهي .

ثم مع الغض عن كل ذلك فقد وردت روايات أخر حاكمة عليها لا يشك معها ناظر في أن إطلاق الكافر عليهم ليس على ما هو موضوع للنجاسة وسائر الآثار الظاهرة ، كموثقة سماعة قال :

" قلت :

لابي عبدالله عليه السلام أخبرني عن الاسلام والايمان انهما مختلفان ؟ فقال إن الايمان يشارك الاسلام ، والاسلام لا يشارك الايمان ، فقلت :

فصفهما لي ، فقال :

الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس " الخ ( 1 ) .

وحسنة حمران بن أعين أو صحيحة عن أبي جعفر عليه السلام قال :

" سمعته يقول :

الايمان ما استقر في القلب وافضى به إلى الله وصدقه العمل بالطاعة لله ، والتسليم لامر الله ، والاسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح - إلى أن قال :

فهل للمؤمن فضل على المسلم في شئ من الفضائل والاحكام والحدود وغير ذلك ؟ فقال :

لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم " الخ ( 2 ) . وبعض فقرات هذا الحديث لا يخلو من


هامش: ( 1 ) أصول الكافي - ج 2 ص 25 من الطبعة الحديثة ( باب أن الايمان يشركه الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان - الحديث 1 ) .

( 2 ) راجع المصدر المذكور آنفا ص 26 - الحديث 5 . ( * )

322

تشويش فراجع .

ورواية سفيان بن السمط قال :