هو نظير قول الامامية - ثم حكى قول محسن بن صالح ، وقال :
- هذا مضاهي لقول الامامية " .
ومراده في أصل التفصيل والتفرقة بين الدم وغيره ، لا في مقداره ضرورة أن قولهما مختلفان في المقدار ، فان الاول جعل الدرهم معفوا عنه دون الثاني ، وأما ما في خلال كلامه في مقام الاستدلال مما يوهم خلاف المشهور فلابد من حمله على صدر كلامه دفعا للتناقض ، بل ليس في خلاف البحث بصدد بيان الخصوصيات ، بل بصدد بيان أصل التفرقة ، فالمخالف هو سلار ظاهرا .
وتدل على المشهور صحيحة ابن أبي يعفور ( 1 ) ومرسلة جميل ( 2 ) بل ورواية اسماعيل الجعفي ( 3 ) فان الظاهر من قوله :
إن كان أقل فكذا ، وإن كان أكثر فكذا أن الجملة الثانية بيان لمفهوم الجملة الاولى
( 2 ) مرت في ص 422 .
( 3 ) مرت في ص 421 . ( * )
وأما صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة فعلى نسخة الكافى والفقيه لا يبعد أن يكون مفادها كرواية الجعفي ، فان قوله عليه السلام :
" ما لم يزد عليه " من تتمة حكم انحصار الثوب مع رؤية الدم في الاثناء ، وهو مسألة أخرى ، والظاهر أن قوله عليه السلام :
" وما كان أقل من ذلك " مسألة أخرى برأسها لا في موضوع الثوب المنحصر حتى يكون تتمة للجملة السابقة ، فان جعله من تتمتها يوجب التكرار في حكم الزائد عن مقدار الدرهم ، مضافا إلى أن ظاهر الذيل ينافي كونه في الفرض السابق ، فحينئذ تكون الشرطيتان نظير الشرطيتين في رواية الجعفي ، وقد عرفت حالهما ، فلو فرض كونها من تتمتها فتكون مسألة أخرى هي فرض انحصار الثوب ، تأمل .
نعم على نسخة التهذيب تكون معارضة لسائر الروايات ، لكن قد عرفت عدم جواز لاعتماد على نسخته ، وعلى فرض التعارض لا يعتمد عليها لمخالفتها للمشهور ، وكونها شاذة ، ولموافقتها لابي حنيفة ، ومخالفتها
هذا إن كان الدم مجتمعا قدر الدرهم ، واما ان كان متفرقا فان لم يكن قدره لو اجتمع فلا إشكال بل لا خلاف كما في الجواهر في مساواته للمجتمع في العفو عنه ، لاطلاق الادلة وخصوص ما تقدم ، وإن كان قدره أو زائدا ففيه خلاف ، فعن المبسوط والسرائر والنافع والشرائع وابن سعيد والاردبيلي والتخليص والكفاية والذخيرة والحدائق وبعض من متأخري المتأخرين العفو ، وعن الذكرى أنه المشهور ، وفي المراسم والوسيلة وعن العلامة في جملة من كتبه وجملة وافرة ممن تأخر عنه عدمه ، بل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه ، وعن جملة نسبته إلى أكثر المتأخرين ، وهو ظاهر نهاية الشيخ على تأمل ، وعن المحقق في المعتبر القول بالعفو ، إلا أن يتفاحش ، لكن عبارته فيه على خلاف ما نسب إليه ، فراجع .
ومنشأ اختلافهم الاختلاف في فهم الروايات ، فقد استدل كل من القائل بالعفو وعدمه برواية ابن أبى يعفور ، ومحتملاتها كثيرة لا يمكن الركون إلى واحد منها ، ولا استظهار واحد من القولين منها ، لاحتمال أن يكون " مقدار الدرهم " في قوله عليه السلام :
" إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا " مرفوعا إسما للفعل الناقص ، وخبره " مجتمعا " وأن يكون منصوبا خبرا له ، واسمه الضمير الراجع إلى الدم ، " ومجتمعا " خبرا بعد خبر ، أو الراجع إلى نقط الدم " ومجتمعا " خبر ثان إما لسهولة أمر التذكير والتأنيث أو لكونها مضافة إلى المذكر الممكن قيامه مقامها ، وعلى التقديرين يمكن أن يكون " مجتمعا " حالا محققة من " مقدار الدرهم " أو من الضمير ، وأن يكون حالا مقدرة ، وعلى جميع الاحتمالات تكون ظاهرة في العفو إلا على تقدير كون الحال مقدرة ،
لكن الانصاف أن الاتكال على تلك الرواية مع تلك الاحتمالات الكثيرة لاثبات كل من طرفي الدعوى مشكل ، نعم ظاهر مرسلة جميل ( 1 ) العفو ، فان قوله عليه السلام :
" وإن كان قد رآه صاحبه " إلى آخره وصلية ، وإلا يلزم التفصيل بين شبه النضح وغيره في العلم به وعدمه ، وهو خلاف الواقع ، وعلى الوصلية تكون ظاهرة في العفو ، فان قوله عليه السلام :
" فلا بأس به " الخ بيان للجملة المتقدمة ، أي لا بأس بالدم ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم فشبه النضح لا بأس به لكن الاتكال عليها مشكل لضعف سندها وعدم جابر له ، لان الاصحاب وإن أفتوا بمضمون روايات الباب لكن لما كانت بينها روايات صحيحة معتمدة لا يظهر منهم الاتكال على تلك المرسلة .
وأما رواية اسماعيل الجعفي ( 2 ) وصحيحة محمد بن مسلم ( 3 ) فيمكن أن يستدل بهما للطرفين بأن يقال :
إن المراد بالدم والثوب جنسهما ، فيكون المعنى إن كان جنس الدم في جنس الثوب أقل من قدر الدرهم فلا يعيد . وإن كان أكثر فيعيد ، وإطلاقهما شامل للمتفرق ، وأن يقال :
إن الحكم على طبيعي الدم والثوب وهما صادقتان على المصداق الخارجي الفعلي وليس في الخارج من طبيعة الدم إلا هذا المصداق وذاك وذلك ، وكذا الثوب . وأما مجموع الدمين والدماء فليس مصداقا للدم
( 2 ) مرت في ص 421 . ( 3 ) مرت في ص 423 . ( * )
ومن هنا يمكن الاستدلال عليه برواية أبي بصير المعمول بها عند الاصحاب عن أبى جعفر أو أبى عبدالله عليهما السلام قال :
" لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض ، فان قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء " ( 1 ) فان ما في الخارج شبه النضح مصاديق كثيرة يصدق على كل منها أنها دم لا تبصره ، ومجموعها ليس إلا مصداقا تخيليا ، إلا أن يكون قوله عليه السلام :
" لا تبصره " كناية عن الدم القليل المقابل للكثير ، وقلنا بأن العرف يرى الدماء التي على شبه النضح كثيرا .
وتدل على العفو صحيحة الحلبي قال :
" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه ؟ قال :
لا ، وإن كثر فلا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه ولا يغسله " ( 2 ) فان الظاهر أن قوله عليه السلام :
" ينضحه ولا يغسله " راجع إلى دم البراغيث ، لانه مورد السؤال والجواب وانما ذكر الرعاف استطرادا وتطفلا ، والمنظور الاصلي بيان حكم دم البراغيث ، وللمناسبة
( 2 ) الوسائل - الباب - 20 - من ابواب النجاسات - الحديث 7 . ( * )
وتدل عليه إطلاق مرفوعة أبي عبدالله عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
" قال :
دمك أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس ، وإن كان دم غيرك قليلا أو كثيرا فاغسله " ( 2 ) بعد حمل ذيلها على الاستحباب في الدم القليل وكون المراد بالكثير مقابل النضح ، لعدم الفصل في الدماء .
فتحصل مما ذكر قوة القول الاول ، ومقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين المتفاحش وغيره ، مضافا إلى ظهور صحيحة الحلبي فيه كما تقدم ، ودعوى انصرافها عن المتفاحش في غير محلها ، كما أن الاستبعاد في الاحكام التعبدية المجهولة المناط في غير محله ، وأما رواية دعائم الاسلام ( 3 ) فلا ركون اليها بعد ضعفها سندا ووهنها متنا ، لكن الاحتياط حسن على كل حال سيما مع كون الثوب واحدا ، وسيما مع التفاحش جدا .
( 2 ) الوسائل - الباب - 21 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 .
( 3 ) عن الباقر والصادق عليهما السلام انهما قالا في الدم يصيب الثوب :
" يغسل كما تغسل النجاسات " ورخصا في النضح اليسير منه ومن سائر النجاسات ، مثل دم البراغيث واشباهه قالا :
" فاذا تفاحش غسل " المستدرك - الباب - 15 - من ابواب النجاسات - الحديث 2 . ( * )
منها - الدماء الثلاثة كما في الوسيلة والمراسم والغنية والشرائع ، وعن السرائر وكشف الحق وكتب الشهيدين ، بل في الغنية الاجماع ، ولا يبعد استظهار دعوى الاجماع من الخلاف ، وعن السرائر عدم الخلاف فيه ، بل عن ظاهر كشف الحق هو من دين الامامية ، ويظهر من الانتصار الحاق النفاس بالحيض .
هذا مضافا إلى رواية أبي بصير المتقدمة ( 1 ) بالنسبة إلى دم الحيض وهي مروية في الوافي عن أبي جعفر أو أبي عبدالله عليهما السلام ، وفي التهذيب عن أبى عبدالله وأبى جعفر عليهما السلام كليهما ، والاشكال فيها بالقطع غير وجيه ، مضافا إلى أن قطع مثل أبى بصير لا يضر بعد القطع بأن مثله لا يقول إلا مع السماع عن المعصوم عليه السلام ، كما أن تضعيفها بأبي سعيد المكاري في غير محله بعد الجبر بعمل الاصحاب ، كما أشار اليه المحقق أيضا ، وظاهرها بل صريحها عدم العفو عن الاقل من الدرهم ، فان الاستثناء فيه عن دم لم تبصره وهو أقل من الدرهم ، فالمراد بالقليل هو مثل ما في المستثنى منه ، وهو واضح ، وأما دم النفاس فمضافا إلى الاجماعات المتقدمة - التي لا يضر بها نسبة الالحاق في المعتبر إلى الشيخ بحيث يظهر منه اختصاصه به فانه خلاف الوجدان ، لان كثيرا ممن تقدم على المحقق لم يفترق بين الدماء الثلاثة ، بل ادعى الاجماع أو عدم الخلاف عليه - الاجماعات المدعاة في اتحاد حكم النفاس مع الحيض إلا فيما استثني ، وأما دعوى أن النفاس حيض محتبس فقد مر في محله أنه لا دليل عليها .
وأما دم الاستحاضة فمضافا إلى ما تقدم تدل على عدم الفعو عنه
ولا شبهة في أن التبديل ليس واجبا تعبديا نفسيا ، بل لمانعيته عن الصلاة ، كما لا شبهة في أن الظاهر من الادلة أن المانعة هو الدم بما هو من غير دخالة للقطنة والمحل فيه ، ولهذا قلنا بلزوم تبديل الخرقة أيضا إن تلوثت به ، فيستفاد منها مانعيته في الثوب والبدن قليلا كان أو كثيرا .
بل يمكن الاستدلال عليه باطلاق بعض ما ورد في المستحاضة المتوسط على لزوم تبديل القطنة ( 1 ) لعدم ملازمة التوسط مع كون الدم بمقدار الدرهم ، فان الميزان فيه هو ثقب القطن ، ولا يلزم منه أكثريته منه ، فلو منع ذلك فيكفى ما تقدم ، فالحاقهما بالحيض مع أنه أحوط لا يخلو من قوة .
ومنها - دم نجس العين ، فقد استثناه العلامة في القواعد والتذكرة وعن سائر كتبه ذلك ، بل عن جملة من الاصحاب استثناؤه ، وعن الطوسي والرواندي استثناء دم الكلب والخنزير ، وربما ينسب اليهما استثناء مطلق دم نجس العين ، وعن ابن إدريس بعد نسبة استثناء دم الكلب والخنزير إلى الرواندي معللا بأنه دم نجس العين قال :
" وهذا خطأ عظيم وزلل فاحش ، لان هذا هدم وخرق لاجماع أصحابنا " انتهى
أحدهما كونه دما ، وهو مانع ، وثانيهما كونه جزء من نجس العين ، وهو مانع آخر ، وما دل على العفو عن الدم قاصر عن الدلالة على العفو عن العنوان الثاني ، وثالثة بأن دم نجس العين من أجزاء غير المأكول ، وهو مانع آخر ، فالعفو عن الدم لا عنه ، وسيأتى الكلام في هذا الاخير .
وأما الوجه الاول ففيه أنه لا دليل على انفعال أجزاء نجس العين بعضها عن بعض ، بل ولا انفعال نجس عن مثله ، فلا يتنجس بول من بول آخر ، ولا بعض اجزاء الكافر بملاقاة بعض آخر من أجزائه ، بل لا دليل على تنجس النجاسات بملاقاة بعضها مع بعض حتى فيما إذا كان أحد النجسين أغلظ وأشد ، لعدم إطلاق أو عموم في أدلة الانفعال بالملاقاة ، وعدم إمكان إلقاء الخصوصية من الموارد الجزئية ، ولهذا لا يبعد القول بالعفو فيما إذا لاقى الدم المعفو عنه نجاسة أخرى إذا لم تكن أجزاؤها محققة فيه فعلا ، بل استهلكت فيه ومع عدم ملاقاتها للجسد ، فانه مع ملاقاته يشكل العفو ، وبالجملة لا شبهة في عدم الدليل على تنجس دم نجس العين بملاقاة أجزائه ، فلا يكون دمه نجسا ذاتا وعرضا .
وأما الوجه الثانى ففيه أنه لا دليل على مانعية أجزاء نجس العين بما أنه أجزاؤه ، بمعنى أن جزء الكلب أنه كلب يكون مانعا ، بل الظاهر من الادلة أن المانع النجاسة ، فاجزاء الكلب بما انها نجسة مانعة عن الصلاة لا بما أنها
ومنها - دم غير المأكول ، فقد استثناه من العفو بعضهم ، وعن الاستاد اختياره ، وهو مخالف لتضاعف كلمات الفقهاء ، حيث اقتصروا على استثناء الدماء الثلاثة أو مع نجس العين ، ولاجماع الحلي .
ويدل على العفو إطلاق أدلته . ودعوى الانصراف فاسدة جدا كدعوى معارضتها لموثقة ابن بكير ( 1 ) فانها حاكمة عليها أولا ، ويحتمل قريبا عدم شمول الموثقة للدم والمني المانعين عن الصلاة - سواء كانا من مأكول اللحم أو غيره - ثانيا ، ومثلها في الضعف دعوى أن أدلة العفو متعرضة لحيثية نجاسة الدم لا لحيثية اخرى منطبقة عليه ، وهو كونه من غير المأكول ، ضرورة أنه ليس فيها ما يمكن استشمام تعرضها لحيثية نجاسته ، بل الموضوع فيها نفس الدم ، ومقتضى إطلاقها عدم مانعيته بأي عنوان منطبق عليه ذاتا ، فلا قصور فيها لشمول مطلق الدماء من المأكول أو غيره ، نجس العين أو غيره ، وقد عرفت حكومتها على موثقة ابن بكير وإن كان بينهما عموم من وجه .
ودعوى قوة إطلاق الموثقة بل صراحتها في الاطلاق كدعوى إبائها عن التقييد مردودة على مدعيها ، وأضعف من الجميع استبعاد العفو عن الدم القليل من غير المأكول مع كونه نجسا ، وعدم العفو عن سائر أجزائه مع طهارتها ، ضرورة عدم طريق للعقول إلى فهم مناطات الاحكام التعبدية ، وإلا فأي فارق عند العقول بين الدم وغيره ، وبين مقدار الدرهم وأقل منه ، وبين دم القروح والجروح وغيره إلى غير ذلك من التعبديات ، فالفقيه كل الفقيه من يقف على التعبديات ، ولا يستبعد
ثم أن البحث في أطراف كون الدرهم هو البغلى أو الوافي وكونهما واحدا أو متعددا وكون وزنه درهما وثلثا لا فائدة فيه في المقام ، وما هو مفيد :
البحث عن تعيين سعته التي هي موضوع الحكم نصا وفتوى ، لكن لا طريق لنا إليه ، لاختلاف الكلمات في ذلك ، وما نسب إلى الحلى من كونه قريبا من أخمص الراحة ليس على ما ينبغي .
قال في محكي السرائر :
" إن الشارع عفى عن ثوب وبدن أصابه منه دون سعة الدرهم الوافى المضروب من درهم وثلث ، وبعضهم يقولون دون قدر الدرهم البغلي المضروب المنسوب إلى مدينة قديمة يقال لها :
بغل ، قرية من بابل ، بينهما قريب من فرسخ ، متصلة ببلد الجامعين يجد فيها الحفرة دراهم واسعة ، شاهدت درهما من تلك الدارهم ، وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد ، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة " انتهى .
وهذا كما ترى بعد الغض عن نحو إجمال فيه ليس شهادة برؤية الدرهم الوافي وان سعته كذا ، بل شهادة برؤية درهم مما وجدها الحفرة من غير تعرض لكون ما شاهده عين الوافى ، مع أن الشهادة في ذلك مبني على الحدس والاجتهاد ، ولو فرض رسم فيه يدل على كونه وافيا أو بغليا لاحتمال ضرب الحفرة دراهم على نعت الدراهم القديمة اختلافا لجلب الانظار وبيعها بثمن غال على طالبي الآثار القديمة كما انه لا اعتماد على مدعي الخبرة في هذا العصر ولا على الدراهم المنقوشة مما يزعم الناظر أنها من الآثار القديمة لكثرة الخدعة والاختلاق وعدم الوثوق على أقوالهم وما في أيديهم ، فمقتضى القاعدة الاقتصار على الاقل فيما دار الامر بينه وبين الاقل منه
ومن أحكام النجاسات عدم جواز إدخالها في المساجد ولو مع عدم التعدي ، قال الشيخ في الخلاف :
" لا يجوز للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام ولا شئ من المساجد لا باذن ولا بغير إذن - ثم تمسك بالآية الشريفة الآتية ثم قال - :
واذا ثبت نجاستهم فلا يجوز أن يدخلوا شيئا من المساجد ، لانه لا خلاف في أن المساجد يجب أن تجنب النجاسات " انتهى .
وعن الحلي في مقام الاستدلال على طهارة ميت الانسان " ولا خلاف بين الامة كافة أن المساجد يجب أن تجنب النجاسات العينية ، وقد أجمعنا بغير خلاف بيننا أن من غسل ميتا له أن يدخل المسجد ويجلس فيه " انتهى ، وقد أنكر المحقق عليه جواز دخول الغاسل المسجد ، ولم ينكر عليه دعواه عدم الخلاف بين الامة تجنب المساجد ، ولاحد أن يقول :
إن معقد عدم الخلاف تجنب المساجد النجاسات ، والظاهر من تجنبها منها أو المتيقن منه هو وجوب تجنبها عن التلوث بالقذارة ، لا حرمة إدخال النجاسة غير المتعدية فيها ، ولعل استدلالهما على ما ذكراه مبني على اجتهادهما واستظهارهما الاطلاق من معقد الاجماع وهو ليس بحجة .
ومنه يظهر النظر فيما عن كشف الحق في توجيه الاستدلال بالآية بأنه لا خلاف في وجوب تجنب المساجد كلها النجاسات بأجمعها ، فضلا عما عن المفاتيح من نفي الخلاف عن إزالة النجاسة عنها ، فان الازالة ظاهرة في رفع تلوث المسجد عنها أو منصرفة إليه ، وأما إخراج النجس
واستدل على حرمة إدخال مطلق النجاسات فيها ولو مع عدم التعدي بقوله تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام " ( 1 ) وقد مر في باب نجاسة الكافر تقريب أن المراد بالنجاسة المعنى المعهود ، فلا نعيده .
نعم هاهنا مناقشة أخرى في دلالتها ، وهي أن النهي قد تعلق بالفعل الاختياري ، أي دخول المشركين المسجد ، ومقتضى تفريع الحكم على نجاستهم أن كل نجس لا يدخله ، فيعم الحكم سائر طوائف الكفار وأما ادخال النجس فيه فلا ، لاحتمال دخالة الفعل الاختياري من نجس العين في الحكم ، وهذا الاحتمال سيال في جميع الاوامر والنواهي المتعلقة بالافعال الاختيارية ، إلا أن تقوم القرينة على إلقاء الخصوصية لكنها مدفوعة بأن النهي عن القرب متفرع على النجاسة ، فيدل على أن نجاستهم تمام الموضوع لعدم الدخول لا الاختياري منه ، فدخالة الاختيارية خلاف الظاهر ، مع أن العرف يساعد على إلقاء خصوصية الاختيار ، سيما في المقام الذي يؤكده مناسبة الحكم والموضوع .
نعم هنا أمر آخر ، وهو أن حمل المصدر على الذات لا يصح إلا بادعاء وتأول ، وهو لا يصح إلا في مقام المبالغة سيما مع المقارنة لكلمة " انما " المفيد للحصر أو التأكيد ، فكأنه قال :
لا حيثية للمشركين
9 - الآية 28 . ( * )
وهذه الدعوى انما تحسن وتصير بليغة إذا كان المشرك خبيثا في باطنه ونجسا في ظاهره ولا تكون له نقطة طهارة ولو ادعاء ، وانما تفرع عدم قرب المسجد الحرام على هذه المرتبة من النجاسة الادعائية ، وهي مختصة بالمشرك أو هو وسائر الكفار ، وأما سائر النجاسات فلا دليل على الحاقها بهم ما لم يدعي لها ما ادعى ، فالحكم لم يتفرع على النجس بالكسر حتى يتعدى إلى سائر النجاسات ، بل على ما بلغ مرتبة يدعى له هذه الدعوى على سبيل المبالغة ، ولعل ما ذكرناه هو مراد من قال بلغظة نجاستهم ، فلا يرد عليه ما قيل :
إن أغلظية نجاسة الكافر من الكلب أو دم الحيض غير معلومة .