المجلد:3 من ص 440 سطر: 19 الى ص 448 سطر: 18 سائر الاعوام ، ومع كون المعهود من شد رحال المشركين في كل سنة إلى المسجد الحرام لعمل المناسك لم يبق للآية ظهور في الكناية عن مطلق الدخول ، بل لا يبعد أن تكون كناية عن الدخول للعمل أو عمل المناسك المستلزم للدخول .ففي المجمع والعام الذي أشار اليه هو سنة تسع الذي نادى فيه
441
علي عليه السلام بالبراءة ، وقال :" لا يحجن بعد هذا العام مشرك " ( 1 ) وفي البرهان عن العياشي عن حريز عن أبي عبدالله عليه السلام قال :" إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر - إلى أن قال - :وقال - أي قال علي عليه السلام - :لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك بعد هذا العام " ( 2 ) وعنه عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال :" خطب علي عليه السلام بالناس واخترط سيفه ، وقال :لا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن بالبيت مشرك " الخ ( 3 ) وعن الصدوق بسنده عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث قال :" انما سمي الاكبر - أي الحج - لانها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة " ( 4 ) وفي بعض الروايات فكان ما نادى به " أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك " ( 5 ) .ولا يبعد أن يكون الظاهر من تلك الروايات أن النهي عن القرب لاجل الحج والطواف وأعمال المناسك لا مطلقا ، لكن الظاهر تسالمهم على عدم جواز تمكين الكفار المسجد الحرام .ثم أن إلحاق سائر المساجد به بعد عدم إلقاء الخصوصية عرفا لما له من العظمة والاحكام الخاصة ، يحتاج إلى دليل ، ودعوى عدم القول بالفصل غير مسموعة ، بل هو غير حجة ما لم يرجع إلى الاجماع على التلازم ، ولو سلم عدم القول بالفصل بين تمكينهم سائر المساجد وتمكينهم المسجد الحرام لكن عدم القول بالفصل بين تمكينهم وإدخال النجاسة سائر المساجد لو نوقش في دلالة الآية بما تقدم أو عدم القول بالفصل بينهامش: ( 1 ) و ( 2 ) و ( 3 ) و ( 4 ) و ( 5 ) راجع الوسائل - الباب - 53 - من أبواب الطواف - والمستدرك - الباب - 37 - من هذه الابواب ( * ) .
442
حرمة إدخال النجاسات في المسجد الحرام وبين إدخالها في سائر المساجد على فرض تسليم دلالتها بالنسبة إلى المسجد الحرام بحيث يرجع إلى الاجماع على التلازم أنى لنا باثباته .فالقول بجواز إدخال النجاسات غير المتعدية الغير المستلزمة لهتك حرمة المسجد لا يخلو من قوة ، فان عمدة الدليل على عدم الجواز دعوى الاجماع والشهرة ودلالة الآية ، وقد تقدم الكلام فيهما .وأما قوله تعالى :" وطهر بيتي للطائفين " ( 1 ) فهو أجنبي عن إدخال النجاسة غير المتعدية فيها ، مع أن الخطاب لابراهيم عليه السلام أو هو واسماعيل عليه السلام كما في آية أخرى ( 2 ) وأما ما عن النبي صلى الله عليه وآله " جنبوا مساجدكم النجاسة " ( 3 ) ففي سنده ودلالته إشكال ، إذ استنادهم اليه غير ثابتة ، واحتمال أن يكون المراد بالمساجد محال السجدة قريب .هذا مضافا إلى ما دلت على جواز اجتياز الجنب والحائض المساجد بما لا يمكن حملها على الجواز الحيثي ، كصحيحة أبي حمزة قال :" قال أبوجعفر عليه السلام :إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول فاحتلم فاصابته جنابة فليتمم ، ولا يمر في المسجد إلا متيمما ، ولا بأس أن يمر في سائر المساجد ، ولا يجلس في شئ من المساجد " ( 4 ) وهى كما ترى ظاهرة في أن الذي احتلم يجوز له الاجتياز ، وهو حكم فعلي لا حيثي .هامش: ( 1 ) سورة الحج :22 - الآية 26 .( 2 ) سورة البقرة :2 - الآية 125 .( 3 ) الوسائل - الباب - 24 - من ابواب أحكام المساجد - الحديث 2 .( 4 ) الوسائل - الباب . - 1 - من ابواب الجنابة - الحديث 6 . ( * )
443
وقريب منها روايته الاخرى ( 1 ) إلا أن فيها " وكذلك الحائض اذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، ولا بأس ان يمرا في سائر المساجد ، ولا يلجسان فيها " وهذه بملاحظة ذيلها أوضح دلالة ، مضافا إلى انه قلما يتفق كون الحائض طاهرة . بل لعل نوع النساء لا يتجنبن عن بعض النجاسات في أيام الحيض ، فتجويز دخولها في المساجد ملازم لتجويز دخول النجاسة .وتدل عليه ما وردت في المستحاضة من جواز دخولها في المسجد وجواز الطواف لها ، والسيرة المستمرة على تمكين الصبيان ، بل إدخالهم في المساجد ، بل ادعيت السيرة على عدم منع أصحاب القروح والجروح ومن به دم قليل عن الجمعة والجماعات ، وهذه كلها شاهدة على عدم العموم في الآية ، وعدم إمكان إلقاء الخصوصية ، وعدم صحة دعوى عدم القول بالفصل بين حرمة تمكين الكفار المسجد الحرام أو مطلق المساجد وبين إدخال سائر النجاسات غير المتعدية ، ومما ذكر ظهر عدم حرمة إدخال المتنجس فيها مع عدم السراية .وأما إدخال النجاسات السارية فالظاهر ان حرمته لا بعنوان إدخالها فيها ، بل بعنوان تنجيس المساجد ، وهو القدر المتيقن من الاجماعات ، بل حرمة التنجيس معروفة لدى المتشرعة ، وهما العمدة فيها .وأما سائر ما استدل لها - كقوله تعالى :" وطهر بيتي للطائفين " إلى آخره ، ورواية الثمالي التي لا يبعد صحتها عن أبي جعفر عليه السلام وفيها :" إن الله أوحى إلى نبيه أن طهر مسجدك وأخرج من المسجد من يرقد بالليل ، ومر بسد أبواب من كان له في مسجدك باب إلا بابهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 15 - من ابواب الجنابة - الحديث 3 . ( * )
444
علي عليه السلام ومسكن فاطمة عليها السلام ، ولا يمرن فيه جنب " ( 1 ) وصحيحة الحلبي الواردة في زقاق قذر بينه وبين المسجد ( 2 ) ورواية علي بن جعفر الواردة في اصابة بول الدابة المسجد أو حائطه ( 3 ) إلى غير ذلك - فغير تام إذ الآية الشريفة مع كونها مربوطة بالامم السالفة لا يبعد أن يكون المراد من التطهير فيها هو التنظيف العرفي والكنس ، لا التطهير من النجاسة بمناسبة قوله :" للطائفين والعاكفين " الخ مع أن التعدي من المسجد الحرام يحتاج إلى دليل .ورواية الثمالي راجعة إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله والتعدي منه إلى غير يحتاج إلى دليل بعد عدم إمكان القاء الخصوصية عرفا ، ورواية الزقاق أجنبية عن المقام ، فان الظاهر منها أن مورد الكلام تنجس الرجل المانع عن الصلاة ، ورواية علي بن جعفر لا تدل على المطلوب بعد طهارة أبوال الدواب ، فيمكن أن يكون وجه السؤال معهودية كراهة الصلاة مع تلوث المسجد .وقد يستدل على ذلك بالاخبار المستفيضة الدالة على جواز اتخاذ الكنيف مسجدا بعد تطهيره ، مثل صحيحة الحلبي " أنه سأل أبا عبدالله عليه السلام في مسجد يكون في الدار فيبدو لاهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه عن مكانه ، فقال :لا بأس بذلك ، قال :فقلت :أفيصلح المكان الذي كان حشا زمانا ( حشي رمادا خ ل ) أن ينظف ويتخذ مسجدا ؟ قال :نعم اذا القي عليه من التراب ما يواريه ، فانهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 15 - من ابواب الجنابة - الحديث 10 .( 2 ) مرت في ص 362 .( 3 ) مرت في ص 24 . ( * )
445
ذلك ينظفه ويطهره " ( 1 ) وقريب منها رواية ابى الجارود ( 2 ) وصحيحة عبدالله بن سنان ( 3 ) .ومثل رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال ." سأل عن بيت كان حشا زمانا هل يصلح أن يجعله مسجدا ؟ قال :إذا نظف وأصلح فلا بأس " ( 4 ) .ورواية مسعدة التي لا يبعد أن تكون موثقة عن جعفر بن محمد عليهما السلام " أنه سأل أيصلح مكان حش أن يتخذ مسجدا ؟ فقال اذا القى عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس ، وذلك لان التراب يطهره ، وبه مضت السنة " ( 5 ) واستدل بعضهم بها على وجوب تطهير ظاهر المسجد دون باطنه مطلقا أو في خصوص مورد الاخبار ، وبعضهم على عدم وجوبه مطلقا .أقول :لا يبعد أن يكون المساجد في تلك الروايات غير المساجد المعهودة التي محل البحث ، بل المراد منها الامكنة التي اتخذت في البيت مسجدا ، كما قد يشهد صدر الروايات الثلاثة المتقدمة ويشعر به قوله :" يتخذ مسجدا " ويحتمل في بعضها أن يكون المراد من اتخاذ المسجد اتخاذها محلا يسجد عليه ، فيكون سؤاله عن جواز السجدة على مكان كان حشا بعد تنظيفه ، واما الحمل على السؤال عن بناء المسجد أو الوقف للمسجدية فبعيد عن سوق الروايات .هامش: ( 1 ) اورد صدرها في الوسائل - الباب - 10 - من ابواب احكام المساجد - الحديث 1 - وذيلها في الباب - 11 - من هذه الابواب - الحديث 1 .( 2 ) و ( 3 ) و ( 4 ) و ( 5 ) راجع الوسائل - الباب - 11 - من ابواب احكام المساجد - الحديث 3 - 4 - 7 - 5 . ( * )
446
وربما تشهد لما ذكرناه رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام قال :" الارض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة " ( 1 ) ولو اريد بها المساجد المعهودة فمقتضى الجمع بينها جواز جعل الكنيف بعد تطهيره وتنظيفه مسجدا ، وعليه يحمل المطلق منها ، وأما إلقاء التراب فلكمال النظافة لا للتطهير الشرعي ، ولهذا أمر به مع فرض السائل تنظيفه ، وحمل التنظيف في لسان السائل على الكنس مع بقاء النجاسة لا وجه معتد به له .وكيف كان لا يمكن التشبث بتلك الروايات على جواز تنجيس بواطن المساجد أو عدم وجوب تطهيرها ، نعم ربما يقال :إن المتيقن من معاقد الاجماع والروايات تطهير ظواهرها ، وفيه أن المسجد عنوان معهود واسم للمعبد المعهود بين المسلمين والمعنى الوضعي منسي ، والاجماع القائم على تجنب المساجد النجاسات يدل على وجوب ما يصدق عليه هذا العنوان ، وهو مجموع ما جعلت للمعبدية ، أرضها إلى مقدار متعارف وسقفها وجدارها داخلا وخارجا ، وليس المسجد من قبيل المطلق حتى يؤخذ بالقدر المتيقن فيه ، بل هو كالعلم اسم لهذه البنية ، فالاظهر حرمة تنجيس أجزائه ظاهرا وباطنا ، بل لا يبعد استفادة حرمة تنجيس حصيره وفرشه بالمناسبات المغروسة في الاذهان من النبوى ومعقد الاجماع بل الظاهر معهوديتها لدى المتشرعة .ثم انه كما يحرم تنجيسه يجب إزالة النجاسة منه ، ولا يبعد أن يكون قوله صلى الله عليه وآله :" جنبوا مساجدكم " وكذا معاقد الاجماعات ظاهرة في وجوب الازالة . لكن المتفاهم منها عرفا أن الامر بها وبتجنب المساجد لمبغوضية تنجيسها حدوثا وبقاء ، ومنه يعلم أنهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 11 - من ابواب احكام المساجد - الحديث 8 . ( * )
447
وجوب الازالة فوري عقلا ، لاستفادة مبغوضية تلوث المساجد مطلقا من الادلة .ويلحق بالمساجد المصحف الشريف والمشاهد المشرفة والضرائح المقدسة والتربة الحسينية ، سيما المتخذة للتبرك والاستشفاء والسجدة عليها بلا اشكال مع لزوم الوهن ، بل مطلقا على وجه موافق للارتكاز بل لا يبعد أن يكون المناط في نظر المتشرعة وارتكازهم في وجوب تجنب المساجد النجاسات هو حيثية عظمتها وحرمتها لدى الشارع الاقدس ، أو كان التنجيس مطلقا هتكا عنده ولو لم يكن عندنا كذلك .هذا بالنسبة إلى غير الخط من المصحف ، وأما هو فلا ينبغي الاشكال في حرمة تنجيسه ووجوب الازالة عنه ، لارتكازية الحكم لدى المتشرعة ، ولفحوى قوله تعالى :" لا يمسه إلى المطهرون " ( 1 ) الظاهر منه مبغوضية مس غيرالطاهر إياه بأي وجه اتفق ، والمفهوم منه الحكم فيما نحن فيه ، سيما أن الظاهر من الآية الكريمة أن المناط فيها غاية علو القرآن وعظمته وكرامته .المطلب الرابع
يعتبر في التطهير بالماء القليل انفصال الغسالة على النحو المتعارف ففي مثل الاجسام التي لا يرسب فيها النجاسة كالبدن والجسم الصقيل يكفي صب الماء بنحو ينفصل غسالته عنها ، وفيما ترسب النجاسة فيه وتنفذ لابد من إخراج الغسالة بالعصر أو بغيره بأي نحو يمكن ، لا لقيام إجماع أو شهرة عليه كما قد يدعى ، فان الظاهر من تعليلهامش: ( 1 ) سورة الواقعة :56 - الآية 79 . ( * )
448
من يدعي الشهرة أو الاجماع أن الاستناد لم يكن اليهما ، بل المسألة من التفريعات التي يدخلها الاجتهاد ، وفي مثلها لا يكون الاجماع حجة فضلا عن الشهرة .بل الظاهر انه لم يكن للشارع إعمال تعبد في تطهير النجاسات إلا ما استثني مما نص على كيفية تطهيره ، والشاهد عليه أن الروايات الواردة في باب تطهير أنواع النجاسات على كثرتها لم تزد إلا الامر بالغسل او الصب في بعض الموارد من غير تعرض لبيان الكيفية إلا نادرا ، والتنصيص في بعض الموارد على التعدد كالبول أو على كيفية خاصة كالولوغ دليل على كونها في مقام البيان في سائر النجاسات أيضا فاطلاق الامر بالغسل فيها يكشف عن عدم طريقة خاصة في التطهير ، فدعوى ورود تعبد خاص زائدا على لزوم الغسل في غير محلها .ولا لان الغسل متضمن للعصر لغة أو عرفا ، وإن قال المحقق في المعتبر :الغسل يتضمن العصر ، ومع عدم العصر يكون صبا ثم قال :ويجري ذلك - أي قولهم يغسل الثياب والبدن - مجرى قول الشاعر :" علفتها تبنا وماء باردا " ثم استشهد برواية الحسين بن أبي العلاء حيث قال :" في الجسد يصب عليه الماء مرتين ، وفى الثوب اغسله مرتين " ( 1 ) فجعل الصب مقابل الغسل ، ثم قال :" أما الفرق بين الثوب والبدن فلان البول يلاقي ظاهر البدن ولا يرسب فيه ، فيكفيالمجلد:3 من ص 448 سطر: 19 الى ص 456 سطر: 18