559
دليل على عدم التثليث ، بل لعله دليل قطعي على عدمه ، وأما الاختضاب فأعم من حصول التثليث ، فاعتباره لاجل حصول الشك فيه لا قيام الامارة عليه .نعم إطلاق صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله عليه السلام وفيها " اذا كان يخضب الاناء فاشربه " ( 1 ) يقتضي أمارية الاختضاب على التثليث ، لكنها محمولة على صحيحة معاوية بن وهب ( 2 ) التي اعتبر فيها مضافا إلى ذلك إخبار ذي اليد حملا للمطلق على المقيد .ومنها بعض الروايات الواردة في الجبن ، كرواية بكر بن حبيب قال :" سئل أبوعبدالله عليه السلام عن الجبن وأنه توضع فيه الانفحة من الميتة ، قال :لا تصلح ، ثم أرسل بدرهم ، فقال :اشتر من رجل مسلم ولا تسأله عن شئ " ( 3 ) ونحوها في عدم لزوم السؤال رواية حماد بن عيسى ( 4 ) وهذه الروايات وإن صدرت تقية لان الانفخة من الميتة طاهرة عندنا لكن يظهر منها أنه لا بأس بالاشتراء والاكل من سوق المسلمين ، ولا يلزم السؤال ، لكن لو سأل وأجاب صاحب اليد بكون الميتة فيه لا يجوز الاكل ، فيظهر منهما أن هذا الحكم كان معهودا في ذلك العصر .ومنها ما وردت في قبول قول البائع الامين الثقة في استبراء الامة ( 5 ) واعتبار الامانة والثقة لكون أمر الفروج مهما كما يظهر منهامش: ( 1 ) و ( 2 ) الوسائل - الباب - 7 - من ابواب الاشربة المحرمة - الحديث 2 - 3 .( 3 ) مرت في ص 104 .( 4 ) الوسائل - الباب - 50 - من ابواب النجاسات - الحديث 8 .( 5 ) مرت في ص 553 . ( * )
560
تلك الروايات
.ومنها رواية عبدالرحمان بن الحجاج قال :" قلت لابي عبدالله عليه السلام :أني أدخل السوق أعني هذا الخلق الذي يدعون الاسلام فاشتري منهم الفراء للتجارة وأقول لصاحبها :أليس هي ذكية ؟ فيقول :بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية ؟ فقال :لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول :قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية ، قلت :ما أفسد ذلك ؟ قال :استحلال أهل العراق الميتة " ( 1 ) .وقد مر في المسألة السابقة أن الظاهر منها ومن سائر الروايات أن سوق المسلمين - أي هذا الخلق ليس امارة على التذكية ، وإن جاز لنا ترتيب آثارها توسعة ، وأما جواز الاخبار بها فهو من آثار ثبوتها لدى المخبر ، وانما نهي عن الاخبار بها كع إخبار ذي اليد لاستحلال أهل العراق الميتة ، فيظهر منه أنه لو لا ذلك لجاز الاتكال على إخباره وقول عبدالرحمان :" ما افسد ذلك ؟ " دليل على معروفية الاتكال على قول صاحب اليد ، فسأل عن وجه عدم الجواز ، فأجابه عليه السلام بذلك .إن قلت :مع عدم استحلاله تكون يده امارة قلت المراد بالاستحلال استحلال الميتة بالدباغ ، ولهذا نسبه إلى أهل العراق ، فحينئذ مع عدم الاستحلال أيضا لا يكون سوقهم امارة ولا يدهم ،المجلد:3 من ص 560 سطر: 19 الى ص 568 سطر: 18 لاختلافهم معنا في معظم شرائط التذكية ، تأمل .ويمكن أن تعد من الشواهد او الادلة الروايات الواردة في سياق الهدي ، كصحيح حفص بن البختري قال :" قلت لابي عبدالله عليه السلام :رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به
هامش: ( 1 ) مرت في ص 546 . ( * )
561
عليه ، قال :ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ، ليعلم من مر به أنه صدقة " ( 1 ) بدعوى دلالتها على معروفية قبول قول صاحب اليد بأنها صدقة إلى غير ذلك من الموارد التي يعلم - بالقاء الخصوصية عنها عرفا - أن قول صاحب اليد معتبر عند الشارع ، كما هو معتبر عند العرف ، سيما مع قبوله في المهمات .المطلب السادس
مقتضى اطلاق أدلة شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة - كقوله عليه السلام في صحيحة زرارة :" لا صلاة إلا بطهور " ( 2 ) المتيقن منها بقرينة ذيلها الطهور من الخبث ، وقوله عليه السلام :" لا تعاد الصلاة " الخ ( 3 ) بناء على أن الطهور في المستثنى أعم من الخبث - بطلان الصلاة التي يؤتى بها في النجس مطلقا ، سواء كان عن عمد أو جهل بالحكم أو الموضوع أو النسيان أو غيرها من الاعذار ، فلابد من التماس دليل على صحة الصلاة المأتي بها في النجس .وقد يقال :إن الادلة قاصرة عن اثبات الحكم للجاهل ، لقبح تعلق التكليف بالغافل ، وعليه يكون المأتي به مع النجاسة مجز ، لانه صلاة تامة في حقه بعد عدم الدليل على إثبات المانعية او الشرطية في حقه .وفيه ما حقق في الاصول من عدم قصور الادلة عن إثبات التكليف لمطلق المكلفين ، ولا مانع من تعلقه بالعناوين الكلية الشاملة لعامةهامش: ( 1 ) مرت في ص 542 .( 2 ) و ( 3 ) مرتا في ص 388 . ( * )
562
المكلفين ، وإن كان التارك عن عذر معذورا في ادائه ، والسر فيه عدم انحلال الخطاب المتعلق بالعناوين كالناس والمؤمنين إلى خطابات جزئية بعدد النفوس أو العناوين الطارية ، ولهذا يكون العصاة مكلفين ، مع أن العاصي الذي يعلم المولى طغيانه لا يمكن تكليفه جدا لغرض الانبعاث لامتناع انقداح إرادة التكليف جدا بمن لا يطيع .هذا مع أن ما ذكر لا يتأتي في الوضعيات ، كقوله عليه السلام :" لا صلاة إلا بطهور " ولا شبهة في إطلاقه بالنسبة إلى كل صلاة من دون اشكال .نعم لا فرق في الاشكال بين الاوامر النفسية وما هي للارشاد إلى الشرطية ، كقوله :" اذا قتمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " الخ ( 1 ) فانها وان كانت للارشاد لكنها لم تنسلخ عن البعث والتكليف ، ولم تستعمل في الاشتراط ، بل يفهم العرف من البعث إلى تحصيل الطهور للصلاة اشتراطها بها ، فان قبح أو امتنع تعلق التكليف بالغافل لا يمكن انتزاع الاشتراط مطلقا منها بحيث يشمل الغافل ، فما قد يقال في الجواب عنه :إن الاوامر الارشادية لا اشكال فيها كأنه في غير محله .هذا مع اقتضاء بعض الادلة الخاصة في المقام بطلان الصلاة في النجاسة ، كصحيحة عبدالله بن سنان قال :" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم ، قال :إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى " ( 2 ) وغيرها مما تشمل باطلاقها للعالم وغيره .وأما الجاهل بالموضوع ففيه أقوال :عدم الاعادة مطلقا ، والاعادةهامش: ( 1 ) سورة المائدة :5 - الآية 6 .( 2 ) الوسائل - الباب - 40 - من ابواب النجاسات - الحديث 3 . ( * )
563
كذلك كما حكي عن بعض ، والتفصيل بين التذكر في الوقت وخارجه ، فيعيد في الاول ، والتفصيل بين المتذكر الذى لم يتفحص وغيره ، فيعيد الاول .وقد يقال :إن مقتضى الجمع بين الروايات التفصيل الاول ، لان منها ما تدل على عدم الاعادة مطلقا كموثقة عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال :" سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يصلي وفى ثوبه عذرة انسان أو سنور أو كلب أيعيد صلاته ؟ قال :إن كان لم يعلم فلا يعيد " ( 1 ) ونحوها روايات ( 2 ) .ومنها ما تدل على الاعادة مطلقا ، كصحيحة وهب بن عبد ربه عن أبي عبدالله عليه السلام " في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم به صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك ، قال :يعيد اذا لم يكن علم " ( 3 ) ورواية أبى بصير الصحيحة بناء على كون وهب بن حفص هو الجريري الثقة عن أبى عبدالله عليه السلام قال :" سألته عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال :علم به أو لم يعلم فعليه اعادة الصلاة إذا علم " ( 4 ) .ومنها ما تدل على عدم وجوب القضاء كصحيحة العيص بن القاسم قال :" سألت ابا عبدالله عليه السلام عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ، ثم أن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه ، قال :لا يعيد شيئا من صلاته " ( 5 ) ورواية علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفرهامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 40 - من ابواب النجاسات - الحديث 5 .( 2 ) المروية في الوسائل - الباب - 40 - من ابواب النجاسات .( 3 ) و ( 4 ) و ( 5 ) الرسائل - الباب - 40 - من ابواب النجاسات الحديث 8 - 9 - 6 . ( * )
564
عليه السلام قال :" سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى اذا كان من الغد كيف يصنع ؟ قال :اذا كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي ، ولا ينقص منه شئ ، وإن كان رآه وقد صلى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله " ( 1 ) .وطريق الجمع بينها بتقييد صحيحة ابن عبد ربه ورواية أبى بصير بالروايتين الاخيرتين ، فيصير مفادهما بعده الاعادة في الوقت دون خارجة فتقيد بهما الطائفة الاولى الدالة على عدم الاعادة مطلقا ، فتصير النتيجة التفصيل بين الوقت وخارجه .وفيه - مضافا إلى منع كون الاخيرتين مختصتين بالقضاء . اما صحيحة العيص فظاهر ، ضرورة أن ترك الاستفصال في وقت إخبار صاحب اليد دليل على عموم الحكم لما اذا أخبره في الوقت وقد صلى في ثوبه وبقى وقت الاعادة ، والرواية الثانية وان كان صدرها متعرضا للقضاء لكن ذيلها مطلق يشمل الفرض المتقدم ، ومجرد تعرض الصدر للقضاء لا يوجب الانصراف أو تقييد الاطلاق - .ان المتفاهم العرفي من نفي القضاء هو الارشاد إلى صحة الصلاة المأتي بها ، فيفهم العرف من نفي القضاء نفي الاعادة ، كما أنه يفهم من نفي الاعادة نفي القضاء ، وذلك لان نفي كل منهما دليل عرفا على صحة الصلاة ، وارشاد إليها ، واحتمال أن تكون النجاسة المحرزة في جزء من أجزاء الوقت مانعة منها - وبعبارة اخرى تعقبها بالاحراز في الوقت ولو بعد الصلاة مانعة - بعيد عن فهم العرف غايته .نعم لو ورد دليل على التفصيل بين الاعادة في الوقت وعدم القضاء خارجه كان هذا التصوير العقلي موجبا لعدم جواز طرحه وعدم العمل بههامش: ( 1 ) الوسائل - الباب - 40 - من ابواب النجاسات - الحديث 10 . ( * )