إشارات و أصداء

میخائیل عید

نسخه متنی -صفحه : 57/ 3
نمايش فراداده

ميخائيل عيد إشارات وأصداء آراء الإشـــــارات إشــــــارتان ـ 1 ـ البالونات المنفوخة جيداً تبدو كبيرة وجميلة أو تبدو مخيفة إذا رسمت عليها صور وحوش مفترسة. لكنها تبدو لزجة وبائسة إذا أُفرغت من الهواء. فلا تستهينوا بالهواء الذي يجعل الأشياء البائسة ذات شأن… لكن إياكم أن تخافوا المنفوخين أو تحترموهم. إنهم يستحقون الشفقة لا أكثر. ـ 2 ـ أقام البرغوث على ظهر الفيل فشرع يزعم أنه صاحبه والناطق باسمه… وكم تبجح بقوته وسطوته! وحين اغتسل الفيل سقط البرغوث شر سقطة فلم يجد من يشفق عليه. هل ثمة لغة للحوار؟ كيف أصير فاضلاً إذا لم تهبني الكائنات فضائلها؟ أين نظري من نظر النسر؟ وأين دأبي من دأب النملة؟ وأين مهارتي من مهارة النحلة؟ وأين لي رقة الزهرة أو عطر الوردة؟ أنا لاشيء لولا الأشياء، ولا أصير إنساناً إلاَّ بكم ومعكم، وكل اتصال هو ضرب من الحوار فمتى نتقن لغة الحوار ونضع مصابيحنا في أماكن مناسبة فتتحسن رؤيتنا للأمور وللآخرين؟ يحدث أحياناً، أن أذكر بلطف أو أشير برفق إلى خطأ وقع فيه أحدهم فيرد عليَّ رداً شديد اللهجة ثم يعدد أخطائي بشماتة وعداء. فكأنما إشارتي إلى الغلط الذي وقع فيه زعم بأنني لا أغلط أو أن ما أفعله كامل.. لا.. مامن كامل بيننا… وإذا كنت قد وقعت أو أقع في أخطاء فهذا لا يلغي حقي في أن أشير إلى غلط سواي، خصوصاً في المسائل الثقافية، فهي ليست ملكاً لأشخاصنا، ولن يجعل الغلط الذي أقع فيه أغلاط سواي صواباً. وإليكم هذه الطرفة: رأى أصمٌّ أصمَّاً يحمل بندقية صيد وكلبه السلوقي أمامه فسأله: "ـ هل أنت ذاهب إلى الصيد؟ قال الثاني: لا… أنا ذاهب إلى الصيد. قال الأول: ظننت أنك ذاهب إلى الصيد.".. دعــــوة ومع ذلك مازلت آمل أن نجد وسيلة للتفاهم فيقرأ الواحد منا الآخر كما هو لا كما يريده أن يكون. الأسئلة الوجودية أكبر من الموجود… والأسئلة كثيرة، أسئلة حول الشعر والجمال، أسئلة في الموقف، وأسئلة في السياسة… وأنا لا أزعم أن في جرابي أجوبة.. إنها دعوة إلى حوار جديد على أسس جديدة.. وأبناء جيلنا يذكرون كيف كنا نرسم لمن نحبه صورة ملاك وللذي نكرهه صورة شيطان رجيم، وفي الحالين يبقى وجه الإنسان غائباً. وكنا نفلسف ذلك ونفبرك له المبررات النظرية.. كان ذلك في الأزمنة الساخنة… أما اليوم فيهيمن على العالم جو شديد البرودة ثقافياً في حين تتفجر البراكين السياسية والاجتماعية عبر تمزقات حادة، وتعتري العالم تشنجات تبدو شديدة الغرابة… ففي ظرف شديد الزخم من المد المضاد تحدث تقلصات موضعية تثير الدهشة، ويطفو على السطح كثير من الرغوة ومن الزبد الذي سيذهب جفاء كما هي الحال دائماً… قد يبدو مفارقة أو كالمفارقة، أن هذا الزمن المزبد قد أزاح عن السطح الثقافي العربي والعالمي، على حد سواء، الكثير من الزبد، وقد أخاف نقيق الضفادع على هذه الضفة ضفادع أخرى كانت تملأ سمع الليل والنهار نقيقاً لا ينقطع على الضفة الأخرى. ولعل ذلك يؤكد الرأي الذي يقول: لا وجود للشر المطلق في الكون… ففي كل شر شيء من الخير ولو ضئيل، وفي كل خير جانب من الأذى والضرر ولو ضئيل… ويكون دائماً على البشر أن يتعلموا من الشر والخير إذ يلحقان بهم.. وأظهرت الرياح التي عصفت أن الكثيرين كانوا دواليب هواء أكثر مما كانوا رجالاً لهم مواقفهم ولهم قضايا وقيم. قد يكون ذلك مؤسفاً لكن التاريخ لا يحسن التعامل مع العواطف. وأُبادر إلى القول: لست من الجامدين عقائدياً.. لكنني لا أرضى لنفسي أن أكون "دولاب هواء"، يدور وفاقاً لوجهة هبوب الريح كيفما هبت الريح.. وإذا أدعو إلى الحوار الذي يجب ألاَّ ينقطع مع الذات ومع الآخر، في إطار الفصيل الفكري الواحد أو بين الفصائل المتقاربة والمتباعدة فكراً فإنما أدعو إلى ذلك انطلاقاً من موقف له ثوابته وله تطلعاته وطموحه إلى غايات إنسانية ومجتمعية محددة طمح إليها الملايين ممن سبقونا، وسعوا إلى تحقيقها، وربما سعوا إلى ماهو أسمى منها أو