ادباء مکرمون

نزار بریک هنیدی، ابراهیم عباس یاسین، جمال الدین الخضور، خلیل الموسی، درغام سفان، راتب سکر، رضوان القضمانی، سعدالدین کلیب، سلمان حرفوش، فاروق ابراهیم مغربی، فواز حجو، محمد عبدالرحمن یونس، محمد قجه، نبیل سلیمان، یوسف الصمیلی، جمانة طه، حسن حمید، خالد ابوخالد، شوقی بغدادی، عبدالکریم شعبان، وفیق خنسه، فاید إبراهیم

نسخه متنی -صفحه : 82/ 22
نمايش فراداده

القصيدة القصيرة عند الشاعر محمد حمدان

فواز حجو

افتتاحيات الدواوين:

اعتاد الشاعر محمد حمدان على أن يفتتح دواوينه بمقدمات شعرية أو افتتاحيات تقوم مقام المقدمة... وهذه الافتتاحيات التي تطالع القارئ ما هي إلا قصائد قصيرة مكثفة تقول مقولتها الخاصة بكلمات جامعة. والشاعر يحرص على وضعها بين يدي المتلقي لما تحمله من مداليل لها أهميتها لدى الشاعر شخصياً، وعلى صعيد آخر لها أهميتها أيضاً لدى مطالعة الديوان، لتكون بمثابة مفتاح يمكن القارئ من الولوج إلى هذا الديوان.

ففي ديوانه الأول (الفارس والعتمة) الصادر عام 1979م تطالعنا قصيدة قصيرة جاءت بمثابة افتتاحية للديوان وقد وردت في الصفحة التي تلي الإهداء وفيها يقول:

اثنان أهل الأرض عندنا

منافقٌ

أو خائفٌ جبانْ

هذا الذي قد كانْ

لكن بندقية الثوار في الأغوارْ

قد علمتنا كيف يُخلق النبيّ في إنسانْ

وهذه الافتتاحية تأخذ شكل التعريف لأهل الأرض وتقسمهم إلى زمرتين، وهذا التعريف قائم على التصنيف الحاد للناس، ويأتي أسلوب الاستدراك في بنية هذه القصيدة وذلك بجملة طويلة في نهايتها، لتجعل من الثائر إنساناً يقارب النبي في مقامه وأهميته، وعلى هذا الثائر تعلق الآمال، وبه يناط التحرير، في واقع مترد، رأى فيه الشاعر أن أهله اثنان: منافق أو خائف جبان. وبما أن القصيدة القصيرة فائقة الحساسية فإنها لا تحتمل في بنيتها الزوائد المخلة بشرط التكثيف، وأرى أن قوله: (هذا الذي قد كان) من نافلة القول، وأولى به أن يتخفف منه، وإن حذفه يجعل هذه القصيدة القصيرة أكثر رشاقة.

أما الديوان الثاني (الميناء الموبوء) الصادر عام 1983م، فقد كان مجرداً من الافتتاحيات، إلا أن القصيدة التي تصدرت الديوان وهي (زفرات مسافر) كانت مؤلفة من سبع قصائد قصيرة، وكل قصيدة حملت رقماً وعنواناً خاصاً، وكانت القصيدة الأولى بمثابة افتتاحية وهي بعنوان (السلاسل) وفيها يقول:

تدور بي

دوامةً من العذاب والنوى

أقدامُ هذي الأرضْ

تلولب الحروفَ والأشياءَ بين الدم والسماءْ

تقذفني للحزن والأشداقْ

تحط بي في عالم السفرْ

وهذه القصيدة القصيرة تلخص تجربة السفر لذلك المسافر الذي صورته لنا القصيدة، وتعتمد التكثيف في نقل التجربة الشعورية التي عانى منها الشاعر، وهي في المحصلة مفتاح للديوان الذي كان حصيلة تلك التجربة التي عاشها الشاعر، فهي أولى الزفرات التي أطلقها في سفره، وبعد أن حط الرحل في (الميناء الموبوء) عاش (في غربة رتيبة) كما وصفها هو، وذاق فيها ألوان العذاب، ويكفي أن نشير إلى ما باحت به القصيدة من خلال لغتها التي أسرفت في تصوير حالة الشاعر الذي عاش في دوامة رهيبة وتجلى ذلك من خلال ثلاثة ألفاظ متلاحقة وكلها ذات مدلول واحد: (تدور ـ دوامة ـ تلولب) وهي في هذا المدلول كافية لنقل حالة التأزم والمعاناة التي كابدها الشاعر.

أما الديوان الثالث (بين يدي المحيط) الصادر عام 1992م فإن الشاعر يفتتحه بقصيدة قصيرة لا تتجاوز كلماتها عدد أصابع اليدين، وفيها يقول:

يا أمّتاه

كُتبَ الهديلُ على الحمام

عليكِ

هل كتبَ البكاءْ

ويذيلها بما يشبه العنوان الذي أخلى مكان الصدارة وآثر مكاناً متواضعاً في الأسفل، ليكون تذييلا قد لا يلفت النظر وهو (يوميات عربية) مما يجعل هذه القصيدة القصيرة التي وضعت (بين يدي المحيط) أشبه بيومية من يوميات الشاعر، وإن الخطاب الشعري المتمثل بالنداء (يا أمتاه) قد يفهم منه أنه خطاب للأمة بشكل عام، وقد يفهم على أنه خطاب للأم بشكل خاص، وقد وجدناه في الديوان السابق من خلال قصيدة (زفرات مسافر) يتحدث عن أمه التي كتب عليها البكاء، وقد طالعنا (وجه أمه) من خلال المقطع الخامس من تلك القصيدة، وكان هذا الوجه: (يلوح من بعيد /من جبل الزيتون) حزيناً باكياً، وهاهو مع مطلع هذا الديوان ما يزال الوجه يبكي، وكأن البكاء قدره الذي لا خلاص منه. ويعمق هذا البكاء باقترانه بهديل الحمام الشجي الذي يشبه بالنواح، وهذه القصيدة القصيرة مبنية بناء تقابلياً يجعل من بكاء الأم الحزين معادلاً ومقابلاً لنوح الحمام الشجي. والشاعر يتخذ من أسلوب النداء مفتاحاً لتحديد وجه الخطاب الشعري فيقول (يا أمتاه).

أما الديوان الرابع (صلاة للبحر الأحمر) الصادر عام 1995م فهو الوحيد الذي لم يشتمل على افتتاحية شعرية، وفضلاً عن ذلك فقد افتقدنا فيه القصائد القصيرة بشكل عام. وإن القصيدة القصيرة نسبياً فيه هي قصيدة (وردة الضفائر الخضر) وقد تجاوزت أربع صفحات، ومن هنا استبعدنا أن تكون في هذا الديوان قصائد قصيرة يتحقق فيها شرط القصر. أما الديوان الخامس (الفان) أو (من نقطة في القلب) الصادر عام 2000م، فقد استهله الشاعر بافتتاحية شعرية تميزت بورودها في الديوان بخط المؤلف، وهي مذيلة بتوقيعه وفيها يقول:

قالت الأرضُ لعينِ

زرَّفتْ في الليل دمعة

جهزي الفانوسَ

دربُ الريح والأمطارِ

لا تكفيهِ شمعة

وقد بنيت هذه القصيدة القصيرة على ثلاثة أساليب:

أ ـ أسلوب القول: (قالت الأرض لعينٍ)

ب ـ أسلوب الأمر: (جهزي الفانوس)

ج ـ أسلوب الخبر: (درب الريح والأمطار / لا تكفيه شمعه)

ومن خلال لغة القصيدة نجد مقابلة بين كلمتين: (الفانوس والشمعة) وهي مقابلة تبرز المفارقة بينهما وتظهر عجز الشمعة عن مواجهة الريح والأمطار، في حين يتقدم الفانوس ليكون أقدر على المواجهة، وليكون رمزاً لـه مدلوله الشفاف.

أما الديوان السادس والأخير (بتغرامو... وشرفة الأبجدية) الصادر عام 2005 فقد تصدرته افتتاحية بعنوان (كأنها مقدمة) وهذه المقاربة باستخدام (كأنها) تجعل هذه الافتتاحية أشبه بالمقدمة، وهي افتتاحيات شعرية تسفر عن موقف رافض للشاعر، وهذا الرفض معلن وصريح ولا يتخفى وراء الرمز والتلميح.

وإن تفكيك هذه القصيدة القصيرة يجعلنا نضع أيدينا على بنيتها وتركيبها الأسلوبي واللغوي ونتيجة تحليل هذه القصيدة القصيرة نجد فيها الخطاب الشعري موجه إلى الملكة، ويستخدم الشاعر فيه أسلوب النداء المغفل من أداة النداء (مولاتي) فهو يخاطب الملكة بما يشعر أنه يدين بالولاء لها، بإضافة ياء المتكلم إلى هذه المولاة.

ثم يفاجئنا، أو لنقل يفاجئها، بخلع هذا الولاء، ورفضه لدور السائس لخيلها، وهذا ما يجعلنا نرجِّح أن الولاء المزعوم الذي أبداه أولاً بقوله (مولاتي) ما هو إلا ولاء مصطنع يفهم منه التهكم على طريقة (سمعنا وعصينا) وهذا يتنافى مع القول المعهود (سمعاً وطاعة) ثم استخدم الشاعر أسلوب التوكيد لتأكيد الرفض وعمق هذا التوكيد بتكرار (إني). وأخيراً نجد المفارقة بين الدور المرسوم له، أو المكلف به، وبين الدور الذي يريد أن يقوم به، والذي يتلاءم مع موقفه الرافض لكل ما يسند إليه من أدوار التبعية.