قد نتفق مع عبد الفتاح على أن التفاؤل يمكن أن يجيء مجانياً إن لم يكن نتاجاً صحيحاً لمعطيات العالم الخارجي ـ التي لا تنبئ حتى هذه اللحظة ـ بأية بشارة على الصعيد الموضوعي. فالبؤساء يزدادون بؤساً مثلما يزداد البرجوازيون تخمة ـ ولكننا ننكر على عبد الفتاح أن يغفل دور النفس الإنسانية في صناعة الأمل المشرق للخلاص من الغربة التي يعانيها أبطاله.. فالإنسان ـ المشروع ـ هو القيمة المطلقة القادرة على صناعة غدها مهما بلغت درجة الانسحاق.. وبدون هذا الإيمان المبدئي فإن هناك ـ شرعية ـ في أن يأكل الأب طفله ـ تماماً كما كاد يفعل بطل مسرحية ـ عبد الفتاح ـ الأخيرة ـ طفل زائد عن الحاجة.
يبدأ ـ عبد الفتاح ـ بتصوير أزمة بطله من ذروتها ـ فهو يهم بأن يئد الطفل الذي وضعته امرأته بعد أن عجزت عن تنفيذ فكرته في أن تعيده إلى رحمها لاستحالة ذلك فيزيولوجياً!!.. وحين تمنعه زوجته عن وأده، يقترح أن يأكله، كي يجنبه الجوع والقهر والذل والخوف في مجتمع أصبح فاسداً.
إن عبد الفتاح لا يكتفي بتشبيه المجتمع البرجوازي ـ بجردل القمامة ـ الذي سيقذف فيه الطفل في نهاية المسرحية، وإنما يبالغ أيضاً في تصوير استعداد الفرد الإنساني الوحشي حين يفضح لا شعور الأب الهارب ـ أيضاً ـ من مسئولية طفل جديد لا طاقة لـه بتربيته والإنفاق عليه.
تبدو الإنسانية ممزقة الأشلاء، ملطخة بالجريمة الوحشية في مسرح عبد الفتاح، كما يبدو الإنسان وحشاً صغيراً هادئاً، تنزف آلامة في كهف منعزل منسي.. إنها أزمة اغتراب معاصر، ولكنه ليس اغتراباً وجودياً كالذي.. يعانيه أبطال سارتر وكاموا وكافكا، وإنما هو اغتراب خارجي سياسي واقتصادي، نبذ قسري إلى مغارة البؤس والفقر، ذي مسوغات مادية فقط، ورغم أن القلعه جي قد جعل الزوج والزوجة يرتلان مقطعاً كما في مزامير داود: