ثم يعبر من المأساة الإغريقية على النحو السيزيفي الذي تنتهي به المسرحية (أما لهذا الألم الإنساني من نهاية؟) ورغم أن هذا لا يخرج المسرحية عن طابعها السياسي فإنه يمنحها غلالة فلسفية شفافة فقد أعلن المحامي للمحكوم (أن قضيته لم تعد عادية وأنها أصبحت ذات صبغة شمولية)، وبدأت المسرحية بإعلان قدوم الضابط وانتهت دون أن يظهر -فهو ما زال قوة خفية آمرة- يرفض المحكوم أن يذعن لها.. كل ذلك يستخدمه عبد الفتاح ليقدم لنا الحياة على نحو إشكالي (حين يفقد المرء قدرته على العيش أو الموت ولا يجد سوى العذاب) الذي قد يكون بحثاً عن مسيح جديد ببذل الخلاص.
ولقد استترت كلمة المسرحية وراء ذاك الشتات الذهني الذي وقع فيه الحوار ما بين الرؤية الثنائية للعالم من خلال حركة التاريخ من مغزى فلسفي معين، متداخل مع بعده (مونولوج الأم الزجلي: الدهر عمره كبير ما يهرم -وفي كربلا شبابيك مفتوحة- تنزف وتطل على حقول طروادة- هناك بعيد في الشرق- شوارع مدن يضحك فيها الدم- قنابل أطلال جثث مطمورة. من قلب السهل والموت والحرائق- أبداً أطفال من رحم الشبابيك تولد) وبين التنديد الإصلاحي بالظلم تارة والانتقادي تارة أخرى.. الأمر الذي يجعلنا نصف هذا المسرح الجديد بأنه مغامرة تجريبية تفتقد الكثير من العناصر الأساسية كالدراما و -البناء الداخلي للشخصية- وتنامي الصراع من خلال فعل الجملة المسرحية- والأوضاع.. ومن هذا ما عاناه محفوظ في حدود تجربته مع هذا الشكل في بعض مسرحياته مثل (المهمة) أو (النجاة) وسواها من شكل (اللامعقول).