احذر إنه خطر (أو الليل جزار)
يتابع "عبد الفتاح قلعه جي" بحثه عن شكل جديد لمسرحه، فيطلع علينا بعد ثلاثيته "هل قتلت أحداً؟" بمسرحيته الأخيرة ـ احذر إنه خطر ـ مؤكداً اتجاهه إلى ـ المسرح الطليعي ـ الذي أحب أن أسميه ـ المسرح التجريبي ـ لاعتقادي بأنه محاولة طموح للخروج من الشكل التقليدي للمسرح، ورسم لأشكال متخيلة تشكل اليوم ظاهرة ذات بال.فهذا النمط من المسرح يبدو أقرب إلى الحوار الذهني منه إلى المسرح الدرامي رغم أن عبد الفتاح قد حقق مستوى درامياً مقبولاً قبل أن يتجه إلى شكله الجديد وهو في مسرحيته الأخيرة ـ موضوع حديثنا ـ يعرض جانباً من الصراع الإنساني إذ يجسد على المسرح محكوماً ومأموراً (هو الجندي المكلف بتنفيذ الإعدام بالمحكوم) حيث تقوم بين الرجلين حوارية يطرح الكاتب من خلالها رؤيته السياسية لكُنْهِ هذا الصراع، فالمحكوم يساق إلى الشنق دون تهمة مسوغة، والجندي ينتظر ساعة التنفيذ في لهفة كي يترك المحكوم (جثة معلقة في الهواء، وهيكلاً تصلصل عظامه، كلما هزته الرياح) دون أن يمتلك الجندي قناعة بما سيفعل سوى كونه ينفذ الأوامر.ولذا فهو يرفض عرض المحكوم عليه بأن (يفك قيوده ويرمي السوط والمسدس بعيداًَ كي يحطما معاً هذه المشنقة) حيث يتصاعد الحوار فيفضح عبد الفتاح لعبة الأقوياء في جعل الضعفاء أداة لقمع الثورة التي تناضل عنهم وذلك بربطهم معاشياً بالسلطة المستترة حين يتحول الفرد إلى (حذاء يلبسه الآخرون) ضمن إطار المجتمع البرجوازي، وهذا ما رمز إليه عبد الفتاح بالمسامير التي تثقب قدمي الجندي فتملأ حذاءه بالدم (وتكاد تصل إلى عينيه وتخرج من أعلى رأسه) وقد تحول إلى مجرد (آلة غبية) لا يمكن أن تشعر بالإهانة.. هذا إذا اتجهنا بالنص اتجاهاً سياسياً.. فإن شئنا أن ننحو به إلى التفسير الفلسفي فثمة إشارات تركها لنا الكاتب منها أن المحكوم معمر أبدي، وأن الجندي مسؤول عن (قوافل المعذبين الذين يسوقهم بسوطه وعن المدن التي تعشعش فيها الكوليرا ـ والشوارع التي هاجر منها الزمان) والكاتب بذلك يبدأ من المأساة التوراتية حين يقول المحكوم (كنت جلادي منذ أزمنة بعيدة ـ لم تكن حالك أفضل مني ـ كنت تجلد نفسك أيضاً ـ قابيل كان يصرخ في نومه ويركض مذعوراً ـ قابيل ما زال يحمل جثة أخيه على ظهره ويسير نحو نهاية العالم)..