الوزن الشعري
نظر القدماء إلى الشعر على أنه في عمومه لفظ موزون مقفى، لـه أقيسة وأوزان خاصة به، (يراعى فيه اتفاق القصيدة كلها في الوزن الواحد حذراً من أن يتساهل الطبع في الخروج من وزن إلى وزن يقاربه، فقد يخفى ذلك من أجل المقاربة على كثير من الناس، ولهذه الموازين شروط وأحكام تضمنها علم العروض، وليس كلّ وزن يتفق في الطبع استعملته العرب في هذا الفن، وإنما هي أوزان خاصة تسمّيها أهل تلك الصناعة البحور) (1). أما هذه الملحمة ففيها الأوزان قد تزيد وتنقص بحسب التفاعيل، فالأساس في كل ذلك هو طول المقطع أو قصره وموضع النبرة من اللفظة (غير أن النبر في اللغة العربية ليس صفة جوهرية في بنية الكلمة، وأن يكن ظاهرة مطردة يمكن ملاحظتها وضبطها. وإذا صح ذلك فإن القول بأن الشعر العربي شعراً ارتكازي، كالشعر الإنجليزي أو الألماني، قول ليس لـه -حتى الآن -ما يسنده من نتائج البحث اللغوي. ولعل وصف جمهور المستشرقين للشعر العربي بأنه شعر كمي، أن يكون أدنى إلى الصواب) (2).والحق أن هذه النظرة إلى الوزن، قد انعكست على نحو جيد في آثار الفلاسفة المسلمين، من أمثال الكندي (ت 252ه) والفارابي (ت 339ه)، وابن سينا (ت 428ه)، فهؤلاء تتحدد معايير الوزن الشعري عندهم على أساس من القيمة العددية في (تعاقب الحركات والسكنات التي تشكل الأسباب والأوتاد والفواصل وتكرارها على نحو منتظم، بحيث يتساوى عدد حروف هذه المقاطع، وأزمنة النطق بها في كل فاصلة من فواصل الإيقاع) (3). وكذلك نجد أصداء هذا الفهم تتردد عند الناقد حازم القرطاجني (ت 684ه) بشيء من التأصيل من حيث تناسب الأوزان وتغيير مقاديرها إذ الوزن عنده (أن تكون المقادير المقفاة تتساوى في أزمنة متساوية لإتّفاقها في عدد الحركات والسكنات والترتيب) (4). فهو بهذا الإكتناه لخصائص الأوزان من حيث هي متركبة من متحركات وسواكن، بحسب أعداد المتحركات والسواكن في كل وزن منها، أمكنه أن يضفي عليها (ميزة في السمع، وصفة أو صفات تخصه من جهة ما يوجد له..(1)-ابن خلدون، عبد الرحمن 1977 -مقدمة ابن خلدون. دار النهضة مصر -القاهرة، الطبعة الثالثة، ج 3 /1299 -1300. (2)-د. عياد شكري 1982 -موسيقى الشعر الربي، دار المعرفة، القاهرة ط2، ص 49.(3)-الروبي، ألفت كمال، 1983 -نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين، دار التنوير للطباعة والنشر -بيروت، ص 248.(4)-القرطاجني، حازم، 1966 -منهاج البلغاء وسراج الأدباء. دار الكتب الشرقية -تونس،
ص 263.