الكوميديا الساخرة
في مسرح عبد الفتَّاح قلعه جي
مدينة من قشّ أنموذجاً
محمّد عزام إذا كان عبد الرحمن منيف قد وصف الفساد الذي اعترى المدن في خماسيته الروائية (مدن الملح) التي تذوب حالما يلحقها الماء، فإن عبد الفتاح قلعه جي قد قام بالعمل نفسه، ولكن في مجال المسرح: ففي مسرحيته (مدينة من قشّ) 2003 وصف المدن المهترئة التي عاث فيها الفساد والمفسدون حتى أحالوها إلى مدن من قشّ، يكفي أن تُلقي إليها بعود ثقاب كي تشتعل، ومع ذلك فإنها لا تجد مَنْ يُلقي إليها بعود الثقاب هذا، لأن الجميع خائفون مترددون، وعلى رأسهم الأدباء الذين ينبغي فيهم أن يكونوا حَمَلَة مشاعل التنوير والتثوير، بدلاً من أن يُطأطئوا رؤوسهم في التراب، و"يتمتعون" برؤية "روما" وهي تحترق، متخلّين عن مهمتهم وعن مسئوليتهم. فلماذا لا يكتب الأدباء المخلصون روايات عن فساد الإدارات؟إن ظاهرة (الكروش) ظاهرة جديدة لازمت ظهور الأغوات الجدد. كان في السابق عدد الأغوات في المدينة معدوداً على رؤوس الأصابع، فأصبح عددهم اليوم بالمئات. وأصبح كل واحد منهم يملك عشرات العمارات في المدينة، وعشرات القرى في الريف. فكيف سنتقدم ونتطور ما دام "كبارنا" لا يشبعون؟
وما دامت كروشهم تبتلع كلّ خيرات الوطن. إن مدننا المصنوعة من القشّ ستحترق لدى أول عود ثقاب يُلقى فيها. فيا حكّام العالَم الثالث: أنقذوا أنفسكم قبل أن تصبحوا على تهاونكم نادمين. ليست هذه صرخة استغاثة، وإنما هي صرخة تحذير ونذير. إن يوم الحساب قادم. وعندها ستنقلب الأمور.