القافية
كان للقافية التمكّن في القصيدة العربية، فإن النظر فيها يكون من جهة اعتناء النفس بما يقع في نهاية البيت الشعري، من إيقاع موسيقي حسن (فإنها حوافر الشعر، أي عليها جريانه واطراده، وهي مواقفه. فإن صحّت استقامت حريته وحسنت مواقفه ونهاياته) (2)، كما يقول حازم القرطاجني.ولقد اهتم هذا الناقد بالقافية وأولاها عناية خاصة، وتكاد الدراسات الحديثة لا تغادر كثيراً من أرائه في هذا الجانب وبخاصة التوقف عند القافية المقيدة دون القافية المطلقة منها، فالقافية المقيدة تكاد تكون من مستلزمات القصيدة الحديثة، فإن نسبتها فيها هي الغالبة. ولقد توقف عند هذه الظاهرة الدكتور شكري عيّاد في كتابه "موسيقى الشعر العربي"، وفسرها على أساس من الصوت الساكن ومدى تأثيره اللغوي (فهو يقوم في موسيقى الكلام بوظيفة تشبه قرع الطبول في الأوركسترا، إنه أساسي في ضبط الإيقاع، وبما أن للقافية وظيفة مزدوجة، إيقاعية وهارمونية، فإن الحرف الساكن يصبح لازماً كلزوم اللين، وإن اختص كل منها بجانب من هذه الوظيفة. وإذا انفرد حرف اللين ككثير من الفواصل القرآنية، فإن التأثير الهارموني يكون هو المقصود، وإذا انفرد الحرف الساكن كما في كثير من القوافي المقيدة، فإن التأثير يكون إيقاعياً صرفاً) (3)، ومن هنا اتجهت القصيدة المعاصرة إلى القوافي المقيدة، لأنها تهدف إلى التأثير الإيقاعي.فالقافية في موزون الشعر الحر، ليست من لوازمه أو أساسياته، وقافية الأبيات قائمة بنفسها، لا ينظر فيها المماثلة لأي قافية من قوافي الأبيات الأخرى. تلك هي النظرة إلى تقفية هذه الملحمة، إلا أنها في بعض الأحيان قد تأخذ بالقياس، وتحافظ على الرنّة الموسيقية، أي أن تكون المقاطع أو الأجزاء التي يتألف منها السطر أو البيت متساوية، فالشاعر كان يراعي القوافي المتناسبة، ولم يقتصر على صوغ أشعاره على أساس "حرية الشعر"،(1)-حازم القرطاجني، منهاج البلغاء، ص 266.(2) -المصدر السابق، ص 271.(3) -شكري عيّاد، موسيقى الشعر العربي، ص 131.