أدب المقارن

عبده عبود

نسخه متنی -صفحه : 60/ 35
نمايش فراداده

واستقبالاً فهو الأدب المقارن، الذي يمكن أن يكون دليل الأدب العربي إلى العالميّة. وهناك اتجاه رئيس آخر في الأدب المقارن يرى فيه علماً يدرس التشابهات التيبولوجية أو النمطيّة بين الآداب. فالتشابه بين أدب قوميّ وأدب قوميّ آخر أو مجموعة من الآداب القوميّة الأخرى لا يرجع إلى عامل التأثير والتأثر فقط، بل هناك من التشابهات بين الآداب ماليس له بالضرورة علاقة بذلك العامل. إنها التشابهات التي أطلق عليها المقارن الروسيّ الشهير فيكتور جيرمونسكي (VIKTOR ZIRMUNSKY) تسمية "التشابهات التيبولوجية أو النمطية" (9) . ودراسة هذه التشابهات بين الأدب العربي وبين الآداب الأخرى، قريبة كانت كالأدبين الفارسيّ والتركيّ، أم نائية كآداب الصين واليابان وفيتنام والفلبين وأمريكا الجنوبية، يمكن أن تساعدنا في فهم كثير من جوانب أدبنا، كخصوصيّة الأجناس الأدبية فيه، أو خصوصية التيارات والمدارس الأدبية وتوقيت ظهورها. إن دراسة التشابهات التيبولوجية تظهر لنا ما هو عامّ ومشترك بين أدبنا وبين الآداب الأخرى، وما هو قوميّ وخاصّ بذلك الأدب، وهذا مكسب معرفيّ كبير لنا. وفي الأعوام الأخيرة ازدهر في الدراسات المقارنة ذلك النوع من الدراسات الذي يتخذ من نظرية التناصّ أساساً له. وشيئاً فشيئاً يحلّ هذا النوع من الدراسات محلّ التأثير والتأثر التي يقدّم نفسه بديلاً لها. إن دراسة علاقات التناصّ بين أعمال من الأدب العربيّ وأعمال من الآداب والثقافات الأجنبية هي مكمّل جيّد لدراسات التلقي الإبداعيّ. فهذا يؤدي بالضرورة إلى ظواهر تناصّ بين الأدب العربي والآداب الأجنبية. إنّ الدراسات المقارنة التي تستند إلى نظريتي التناصّ والتلقي الإبداعيّ المنتج كفيلة بتصحيح النظرة إلى علاقة أدبنا بالآداب الأجنبية، وبأن تضع حدّاً لكلّ ذلك الجدال حول "السرقات الأدبية" وحول خضوع الأدب العربي الحديث لمؤثرات أجنبية أفقدته أصالته. فالنصّ الأدبي العظيم، المتطوّر فنيّاً وفكريّاً، هو بالضرورة نصّ ينطوي على درجة عالية من التناصّ والتأثر والتلقي الإبداعيّ. لقد وضعت نظرية التناصّ ودراساتها مسألة الأصالة في سياقها الصحيح، وأظهرت أنّ النصوص الأدبية متشابكة ومترابطة فيما بينها بصورة لا تنفصم، وأنه ما من نصّ إلاّ ويحمل في طياته علاقات وثيقة مع عدد كبير من النصوص الأخرى، وكلّما كانت درجة التناصّ أعلى كان العمل الأدبيّ أعظم وأكمل (10) . إنّ دراسة علاقات التناصّ بين أعمال من الأدب العربي وبين الآداب والثقافات الأجنبية هو أمر ينطوي على فائدة معرفية كبرى. وهذه الدراسة لا تقلل من أهمية الإنجازات الفنيّة والفكريّة التي حققها الأدب العربي الحديث، بل تضع حدّاً لمحاولات الانتقاص من تلك الإنجازات عبر "الكشف" عن مؤثرات أجنبية فيه. فليس العيب أن يتضمّن الأدب العربي الحديث مؤثرات كهذه، بل العيب كلّ العيب هو أن يخلو من تلك المؤثرات. فهي دليل على أن الأدب العربي الحديث أدب حيّ، يتفاعل مع الآداب والثقافات الأجنبية مستقبلاً ومرسِلاً. 3- قضايا مستجدّة إلاّ أنّ الأدب المقارن ليس مطالباً بأن يساهم في فهم الأدب العربي وعلاقاته وامتداداته الفكرية والفنيّة الخارجية فحسب، بل هو مطالب أيضاً بأن يساهم في تقديم إجابات عن القضايا والأسئلة الثقافية الرئيسة للمجتمع العربي في هذه المرحلة من تطورّه. فكلّ علم من العلوم الإنسانيّة لا يساهم في تقديم تلك الإجابات يصبح علماً هامشياً ويكون مصيره الزوال. وفي مقدمته القضايا التي ينبغي للأدب المقارن أن يساهم في معالجتها قضيّة حوار الثقافات. إنّ قسماً كبيراً من ذلك الحوار الذي بات أكثر إلحاحاً مما كان عليه في أيّ وقت مضى يمكن أن يتمّ من خلال التبادل الأدبيّ ترجمة وتوسيطاً نقدياً. وإذا كان حوار الثقافات يعني، من بين ما يعنيه، أن يتعرّف أهل كلّ ثقافة إلى ثقافة الشعب الآخر بصورة أفضل، وأن تزال حالات سوء الفهم والتحاملات والصور المشوّهة والأحكام المسبقة التاريخية والمعاصرة.. فإنّ باستطاعة الأدب المقارن أن يؤدّي دوراً كبيراً على هذا الصعيد. فهو يساعد في تسهيل التبادل الأدبي وتفعيله، وفي التقريب بين الشعوب وإبراز العناصر المشتركة بينها، وذلك من خلال مقارنة آدابها وثقافاتها، بعضها بالبعض الآخر. وهذا دور ثقافي حيوي في زمن تصاعدت فيه حدّة الصراعات الثقافية في العالم، مما حمل بعض المنظّرين على الاعتقاد بأنّ "حرب الثقافات" ستحلّ محلّ حرب الإيديولوجيات وصراع الطبقات. (11) إنّ التبادل الأدبي والثقافيّ هو خير وسيلة لإحلال حوار الثقافات وتعايشها محل الصراع والتناحر الثقافيين، وإحلال التسامح الثقافيّ محلّ