ابداع و الاتباع فی أَشعار فتاک العصرِ الأمـوی

عبدالمطلب محمود

نسخه متنی -صفحه : 97/ 4
نمايش فراداده

إذ تناول البحث أبرزها وحاول أن يوزعها على ستة محاور، هي: الخصائص اللغوية، من حيث استخدام شعراء هذه الطائفة لمفردات اللغة وألفاظها وتراكيبها، وبأساليب مبتكرة ومتفردة، ثم: الخصائص المعنوية، من حيث تكثيف المعاني وإيجازها أو سعتها في الأشعار، ثم: الصور الفنية، من حيث استخدام الشعراء المختارين لحواسهم في تشكيلها، وفي مقدمتها حاسة البصر ثم السمع فالشم فاللمس وحاسة الذوق وتناول المحور الخاص بدراسة الانفعال الواقعي والخيال هذين الاتجاهين الأسلوبيين للوقوف على الأكثر هيمنة من بينهما على الأشعار وما عكساه فيها من صور ومعان شعرية تدل على التفرد والابتكار، وتناول المحور الخامس أساليب التكرار في الحروف والألفاظ والمقاطع الصوتية، التي أبرزتها أشعار هذه الطائفة من شعراء العصر الأموي، وما بينته من جدة وابتكار من جهة ثم ما عكسته من أحوالهم النفسية والروحية من جهة ثانية، بينما تناول المحور السادس (الأخير) خصيصة الاتجاه القصصي في معظم أشعارها، وما شكلته من امتداد أسلوبي لأشعار سابقيها ومعاصريها من الشعراء على السواء.
وأخيراً، جعلت من خاتمة هذه الدراسة عرضاً لأبرز النتائج التي أمكن التوصل إليها، بما أكد الأسس والملامح الإبداعية في أشعار هذه الطائفة من الشعراء، أو نفاها عنها في بعض جوانبها الفنية الأخرى، ومن ثم فهي نتائج تعكس وجهة نظرنا أولاً وأخيراً، ويمكن لها أن تكون على درجة من الصواب مناسبة أو على العكس من ذلك، وهذا شأن الدراسات الأدبية التي عادة ما تختلف الأحكام بشأن زوايا الرؤية ونتائجها منها، آملاً أن يكون التوفيق من نصيبها، ومن الله تعالى العون والتوفيق .
***
الفصَل الأوَل :
مَفهومُ الفَتك ومُرادِفاته العوامل والأسباب
برزت طائفة الشعراء الفتَاك في العصر الأموي، بين طوائف مختلفة من الشعراء اتَضح ظهورها في هذا العصر الأدبي المهم في تاريخ الأدب العربي، وحققت حضوراً ملموساً في الحياة العامة، مثلما أسهمت في تسجيل جانب من معالم هذا العصر، وما شهده من ازدهار في مجالات الأدب وفنونه الشعرية والنثرية، لا سيما من حيث ظهور أُولى ملامح التجديد في موضوعات الشعر وأغراضه وأساليبه على السواء، مثلما أكد الكثير من الباحثين^(^^). وقد اختلف مؤرخو الأدب العربي، ودارسوه ونقاده، قداماهم ومحدثوهم، اختلافاً كبيراً في هذه الطائفة الشعرية، سواء على النعت الأنسب لها، أو على الدوافع والعوامل التي أدت إلى ظهورها، أو حتى على طبيعة حياة شعرائها وانعكاس تلك الحياة في شعرهم، ومدى الإضافة التي حققتها أشعارهم إلى تاريخ الشعر العربي في عصرهم.
من هنا رأيت أن ضرورات الدراسة تستدعي الوقوف - ابتداءً - على النعت الأكثر ملاءمة لطائفة الشعراء هذه من خلال تحديد معنى (الفتك) في اللغة والاصطلاح، إذ وقفت الدراسة في (تهذيب اللغة) على تعريف (أبي عبيد) الذي يقول فيه " الفتك: أن يأتي الرجلُ صاحبَه وهو غارّ حتى يشدً عليه فيقتله، وإن لم يكن أعطاهُ أماناً قبل ذلك، ولكنْ ينبغي لـه أن يُعلمَه ذلك "، وكذلك ما نقله عن أبي عبيد من تعريف الفرَاء للفتك إذ ذكر الفِتْكُ والفِتْك للرجل يفتك بالرجل: يقتله مجاهرةً، ثم عن ابن شُميل الذي ذكر :" تفتَّك فلانٌ بأمره أي مضى عليه لا يؤامر (لا يشاور) أحداً ثم عن الأصمعي الذي عرَّف الفاتك بأنه " الجريء الصدر "، وعن أبي منصور قوله: " أصل الفتك في اللغة ما ذكره أبو عبيد، ثم جعلوا كلَّ مَنْ هجم على الأُمور العظام فاتكاً "^(^^).
وفي (المحيط في اللغة) تبين أن الفتك يعني: " أن تهُمَّ بأمر فتُمضيَه " (…) وفتك فلان في أمره وأفتك: لجَّ فيه وغلا. وفتك في الخبث فتوكاً "^(^^)، بينما عرَّفه صاحب (مجمل اللغة) بأنه الغدر، والاغتيال^(^^). وفي (أساس البلاغة): " القاتل على غِرَّة " وأجاز القول: " حيَة فاتكة اللسع (…) وهذه إنسانة فاتكة: ماجنة وقد فتكت "^(^^)، وعرَّفه صاحب (لسان العرب) بقوله: " الفتك: ركوب ما همَّ من الأمور ودَعَت إليه النفس (…) والفاتك: الجريء الصدر، والجمْع: الفُتَّاك (…) وفَتَك بالرجل فَتْكاً وفُتْكاً فِتكاً: انتهز منه غِرَّةً فقتله أو جرحه "^(^^)، وهذا المعنى نفسه أخذ به صاحب (القاموس المحيط) ثم صاحب (تاج العروس) الذي