أورد حديثاً شريفاً للرسول محمد، صلَى
الله عليه وسلَم، جاء فيه: " قيّدَ
الإيمانُ الفتكَ، لا يفتك مؤمن "^(^^) وقد
أورد عدد من هذه المصادر اللغوية قولَ
المخبَّل السعدي:
" وإذ فتك النعمانُ بالناسِ مُحرِماً
فمُلِّئَ من عوفِ بن كعبِ سلاسِلُهْ "^(^^) ^
وروى (الزَبيدي) بشأن هذا البيت، ملخَّصاً
لحادثة تاريخية تشير إلى قيام الملك
النعمان بن المنذر بإرسال جيشه إلى بني
عوف بن كعب في الشهر الحرام، وهم آمنون
(غارَون) غافلون، فقتل فيهم وسبى منهم
معشراً، تأكيداً لعلاقة الفتك الذي يقع في
حالة الغفلة واقترانه بها^(^^) .
في حين حدَّد الدكتور عادل البياتي، في
بحثه وتحقيقه ودراسته لشعر (الحارث بن
ظالم المرّي) الذي عدَّه من مشهوري
الفتّاك في العصر السابق للإسلام، عدداً
من المفهومات المتعلقة بعملية الفتك،
وروى حكاية فتك الحارث بخالد بن جعفر
العامري وبأخٍ للملك النعمان أو ابن يدعى
(الأسوَد) وبابن الشاعر السموأل، في
الحادثة الشهيرة التي تروى عن طلب الحارث
من السموأل أدراع الشاعر امرئ القيس، التي
كان قد أمنَّها لدى السموأل، ثم نقل
الدكتور البياتي عن الحارث قوله:
" ألا سائل النعمانَ إن كنتَ سائلاً وحيَّ
كلابٍ هل فتكتُ بخالدِ " ^(^^) .
وكذلك قوله عن فتكه بخالدٍ العامري، عند
إقدامه على الفتك بابن النعمان أو أخيه:
" فتكتُ به كما فتكتُ بخالدٍ
وكان سلاحي تجتويه الجماجمُ "^(^^)^
وإذا كان الدكتور البياتي قد أشار إلى
حقيقة وقوع خلاف بين علماء اللغة، بشأن
تحديد المعنى الاصطلاحي لكلمة (الفتك) حتى
في العصر السابق للإسلام، فقد انتهى بعد
جولته في المعجمات العربية إلى أن الفتك
كان أشرف أنواع القتل لدى العرب " لأن
صاحَبه لم يغدر بالضحيَة ولم يأخذْها
غيلةً "^(^^)، استناداً إلى رأي أبي عُبيد
الذي يؤكد هذا المعنى في عبارته القائلة: "
ولكن ينبغي لـه - للفاتك - أن يُعلمَه - أي
صاحبَه - ذلك " مثلما مرَّ من تعريفه، وهو
ما فعله الحارث بن ظالم - مثلاً - عندما قال
وقد انتوى الفتك بخالد بن جعفر، وكانا
معاً في حضرة الملك النعمان:
" تعلَّم أبيتَ اللعنَ إنّي فاتكُ
من اليومِ أو من بعدهِ بابنِ جعفر "^(^^)^
مما ينفي عن الفاتك إتيانه صاحبَه " وهو
غارّ غافل حتى يشدَّ عليه فيقتله " مثلما
ذكر أبو عبيد في تعريفه، وهذا ما جعل
الدكتور البياتي يشير صراحةً إلى أن هذا
النوع من القتل لا يشبه ذاك، ويختلف الفتك
عن الصعلكة اختلافاً كبيراً، إذ نجد أن
صاحب (لسان العرب) قرَر أن كلمة (صعلوك)
تعني: " الفقير الذي لا مال له، زاد
الأزهري: ولا اعتماد. وقد تصعلك الرجلُ إذا
كان كذلك "^(^^)، وقرر كذلك أن الصعاليك هم "
ذؤبان العرب "^، بينما رأى الفيروزآبادي
والجوهري أن اللصوص من بينهم، وحدَّدا
(اللص) بمن تكرّرت سرقته أو اتّخذها مهنةً
يعيش منها^(^^)، وهذا ما درسه الدكتور يوسف
خليف وفصَّل فيه تفصيلاً دقيقاً وإن كانت
محاولته لتحديد مفهوم الصعلوك من الجانب
الاصطلاحي، شابَها غير قليل من التداخُل
الذي أدى إلى الاضطراب، فهو تارة يحَدد
الصعلوك بـ " الفقير الذي لا مال لـه
يستعين به على أعباء الحياة، ولا اعتماد
لـه على شيء أو أحد يتكىء عليه أو يتكلّ
عليه ليشقَّ طريقه فيها ويعينه عليها "،
ذكره من هؤلاء الصعاليك في العصر السابق
للإسلام، ليُقرر أنّهم ليسوا أولئك
الفقراء المُعدَمين الذين يقنعون بفقرهم،
أو الذين يستَجْدون الناسَ ما يسدّون به
رمقهم "، بل هم أولئك المشاغبون أبناء
الليل، الذين كانوا يسهرون لياليهم في
الإغارة والغزو من أجل سلب الأموال
ونهبها، والذين اتخذوا من هذه الأساليب
الحرفة التي قامت عليها حياتهم، و"
الأُسلوب الذي انتهجوه فيها لتحقيق
غاياتهم "^(^^).
ويبدو واضحاً أن هذا الاضطراب في تحديد
الاصطلاح الأدق للصعلوك، مردُّه علماء
اللغة الأقدمون أنفسهم، الذين رادَفوا
بين الفاتك والصعلوك والفارس واللص، أو
بين الراغب في القتل المُقدِم عليه بملء
الإرادة والتصميم، ولأسباب ودوافع تختلف