وقد جاء الشرع ليؤكد على هذا ويقويه،
ويعطي الإنسان الضوء الأخضر في هذا
المجال.. فقرر أن له أن يدفع عن نفسه أي
اعتداء، من أيٍ كان، حتى ولو كان المهاجم
له والقاصد إليه مسلماً أيضاً، ولم يقبل
منه أن ينتظر إلى أن يرتكب ذاك جريمته،
ويحقق أهدافه. وقد وردت الأحاديث الكثيرة
التي تحث على الدفاع عن النفس، والإذن
بقتل المهاجم، فلتراجع في مظانها(1).
هذا بالإضافة إلى الآية الآمرة بقتال
الطائفة التي تبغي على طائفة أخرى.
وقال الجصاص: «.. لا نعلم خلافاً: أن رجلاً
لو
ـــــــــــــــ
(1) راجع: الوسائل ج11 ص91ـ94 فثمة أحاديث
كثيرة وكذا في التهذيب ج6 ص157و158و166و167
والكافي ج5 ص51و52و53.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 7/
شهر سيفه على رجل، ليقتله بغير حق: أن على
المسلمين قتله، فكذلك جائز للمقصود
بالقتل قتله، وقد قتل علي بن أبي طالب
الخوارج، حين قصدوا قتل الناس».
وقال أيضاً: «.. وذهب قوم من الحشوية إلى أن
على من قصده إنسان بالقتل: أن لا يقاتله،
ولا يدفعه عن نفسه، حتى يقتله..»(1).
ثم قال: «.. وما أعلم مقالة أعظم ضرراً على
الإسلام والمسلمين من هذه المقالة. ولعمري
إنها أدت إلى غلبة الفساق على أمور
المسلمين، واستيلائهم على بلدانهم، حتى
ـــــــــــــــ
(1) راجع: أحكام القرآن للجصاص ج2 ص402 وشرح
النووي على صحيح مسلم، بهامش القسطلاني ج10
ص336ـ338.
وذكر أ: أن الحشوية قد ذهبوا إلى ذلك
استناداً إلى ما روي عنه (صلى الله عليه
وآله) إذا تواجه المسلمان بسيفهما،
فالقاتل والمقتول في النار، فقيل يا رسول
الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:
إنه أراد قتل صاحبه.. وقوله (صلى الله عليه
وآله): أن استطعت أن تكون عبد الله المقتول
فافعل، لا تقتل أحداً من أهل القبلة..
ونحوهما من الروايات التي ذكر قسم منها في
صحيح مسلم، بهامش إرشاد الساري ج10 ص334 فما
بعدها إلى عدة صفحات ولكنهم غفلوا عن ان
المراد بالحديث الأول: قصد كل منهما قتله
الآخر ظلماً، على نحو ما يفعله أصحاب
العصبية والفتنة.. والحديث الثاني، يأمر
بترك القتال في الفتنة، وكف اليد عن
الشبهة، وأما قتل من استحق القتل، فلم
بنفه بذلك..
كما أن الجصاص قد اعتبر قتل الناس بغير حق
من مصاديق الفتنة والبغي، وقد أمر الله
بالفئة التي تبغي، وبقتالهم حتى لا تكون
فتنة.. راجع: أحكام القرآن ج2 ص402و403. وراجع:
أيضاً: فتح القدير ج5 ص63 والجامع لأحكام
القرآن ج16 ص317.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 8/
تحكموا، فحكموا فيها بغير حكم الله.
وقد جرّ ذلك ذهاب الثغور، وغلبة العدو،
حين ركن الناس إلى هذه المقالة، في ترك
قتال الفئة الباغية، والأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر، والإنكار على الولاة
والجوّار، والله المستعان..»(1).
وقال: «.. ويدل على صحة قول الجمهور في ذلك،
وأن القاصد لقتل غيره ظلماً، يستحق القتل،
وأن على الناس كلهم أن يقتلوه، قوله تعالى:
{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل: أن من
قتل نفساً بغير نفسٍ، أو فسادٍ في الأرض،
فكأنما قتل الناس جميعاً الخ..}(2).
السؤال الذي ينتظر الإجابة:
وبعد.. فإن من الواضح: أن العدو حين يشن
حربه العدوانية، فإنه يستخدم أساليب
معينة، ويقوم بأعمال حربية ذات طابع معين،
يراها مناسبة له لتحقيق أهدافه.. فهل أجاز
الإسلام مقابلة هذا العدو بالمثل، وضربه
بنفس الطريقة التي رضيها هو أسلوباً