ترتیب المدارک و تقریب المسالک لمعرفة أعلام مذهب مالک

قاضی عیاض

نسخه متنی -صفحه : 454/ 435
نمايش فراداده

صيت وأتباع كثيرة وصلابة في القيام، في تغيير النكرات والتكلم بالحق، ومكانة عند السلطان. وهي عنده في حوائج الناس وأمور العامة، وهو كان أحد القائمين على القاضي أبي بكر ابن أبي زيد والمحسنين في عدواته، كما ذكرناه في خبره. وكان قد خالفه في أمر العيد، إذ كان القاضي المذكور قد أمر بأن العيد من غدهم. لما ثبت عنده، وعند السلطان، والقاضي وسائر الفقهاء، وخرجوا لصلاتهم، ورجعوا وذبحوا. وكان يوم جمعة، إلا المهدي، فخالفهم في هذا كله، وجلس في داره. فلما صلى بهم الخطيب صلاة الجمعة، وكبّر تكبير التشريق، قال له المهدي من موضعه: كذبت أيها الفاسق. وأصبح اليوم الثاني في باب داره، وصلى العيد مع خلق، اتّبعوه. وكان من جملة من صلى معه، خطيب الناس بالأمس. وقال له: إنما صلى بالأمس تقية. فبلغ ذلك القاضي، فأحضره. فقال: إنما فعلت هذا عند المهدي، خوفاً منه، فكان هذا سبب نكبة هذا الخطيب، وعزله. أبو القاسم السيوري واسمه عبد الخالق بن عبد الوارث. قيرواني. آخر تبعاته من علماء إفريقية، وخاتمة أئمة القيروان. وذوي الشأن البديع في الحفظ والقيام بالمذهب والمعرفة بخلاف العلماء. وكان زاهداً فاضلاً ديناً نظاراً. وكان آية في الدرس والصبر عليه. ذكر أنه كان يحفظ دواوين المذهب، الحفظ الجيد، ويحفظ غيرها من أمهات كتب الخلاف. حتى أنه كان يذكر له القول لبعض العلماء، فيقول: أين وقع هذا. ليس في كتاب كذا، ولا كتاب كذا. ويعدد أكثر الدواوين المستعملة من كتب المذهب والمخالفين، والجامعين. فكان في ذلك آية. وكان نظّاراً. ويقال إنه مال أخيراً الى مذهب الشافعي، وله تعليق على نكت من المدونة. أخذه عنه أصحابه. ويقال إنه تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن وأبي عمران، وطبقتهم. وقرأ الكلام والأصول على الأزدي، وأكثر ما قرأ الكلام. ولازم مدينة القيروان بعد خرابها، الى أن مات بها، وعليه تفقه عبد الحميد، والمهدي، واللخمي، والذكي. وأخذ عنه عبد الحق، وابن سعدون وغيرهما، وبعدهم حسان ابن البربري، وأبو القاسم المنهاري، وأراهم آخر من أخذ عنه وطال عمره. فكانت وفاته سنة ستين بالقيروان. رضي الله تعالى عنه. أبو محمد الفحصلي واسمه عبد الله. أخذ عن أبي بكر وأبي عمران. وكان من الفضلاء العبّاد. لم يكاتب السيوري، أحداً من هذه الطبقة بالفقه غيره. وكان زاهداً متقللاً، قوته في النهار. الى غد نصف مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم. وهو أكبر هذه الطبقة. وكان يحلق في حياة الشيوخ رضي الله عنهم. أبو الطيب عبد المنعم بن ابراهيم الكندي والمعروف بابن بنت خلدون، قيرواني، هو ابن أخت الشيخ أبي علي ابن خلدون من نبلاء هذه الطبقة ومتفننيها. وكان له علم بالأصول، وحذق بالفقه والنظر. تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران. وأخذ عن أبي سفيان المقرئ، وبه تفقه اللخمي، وأبو إسحاق بن منصور القفصي، وعبد الحق، وابن سعدون وغيرهم. وحكى عن بعض شيوخ الإفريقيين أنه كان يقول: دخلت عليه، فوجدته ينظر في اثني عشر علماً. وكان له حظ من الحساب والهندسة في العلوم القديمة. ويحكى أنه كان دبر جلب ماء البحرين من ساحل تونس، الى القيروان، وسوقه خليجاً من هنالك بنظر هندسي، ظهر له. فاخترم قبل نفاد رأيه فيه، وظهور ما دبره منه. وذكره بعض العلماء فقال: كان قدوة في العلم والدين، ورأيت أهل قفصة قد سألوه في مسألة يرونها، بقولهم: إن الله تعالى منّ علينا معشر المسلمين، بأن جعلك إماماً يقتدى به، وراسخاً في العلم، نفزع إليه. وكانت له رحلة. ودخل مصر، وله على المدونة تعليق مفيد. أبو حفص عمر بن أبي الطيب المعروف بالعطار. قيرواني فاضل. وكان حافظاً قيّماً بالمذهب. حسن الاستنباط. وكان اعتماده على المدونة. وبه تفقه عبد الحميد المهدي، وابن سعدون. كان ابن العطار يقول للطلبة: فقر وعلم. لم تبلغوا هذه الدرجة. أنتم ورثتم الفقر، والعلم منزلة الأنبياء عليهم السلام. أبو القاسم عبد الرحمن بن محرز قيرواني. تفقه بشيوخ القيروان، أبي بكر بن عبد الرحمن. وسمع من ابن عمران، وأبي حفص العطار، يتولى الطلبة: نبيلاً، ذا رأي حسن، ومروءة تامة. وابتلى آخر عمره، فيما بلغني، بالجذام. وله تصانيف حسنة. منها تعليق على المدونة، سماه: التبصرة، وكتابه الكبير المسمى بالقصد والإيجاز. توفي نحو الخمسين وأربعماية. أبو إسحاق بن منصور القفصي كان من فقهاء إفريقية وفضلائها، من أصحاب أبي بكر بن عبد الرحمن، وطبقته. وصحب أبا الطيب عبد المنعم الخلدوني، وأبا إسحاق التونسي، والسيوري، وغيرهم. أثنى عليه بالعلم البارع والدين، القاضي أبو عبد