رویا الشعبیة فی الخطاب الملحمی عند العرب

یوسف اسماعیل

نسخه متنی -صفحه : 61/ 4
نمايش فراداده

الموضوعي في عصر تشكيلها.
فالعلاقة بين التاريخ والأدب الشعبي علاقة ارتكاز وتماثل.
أ/ في علاقة الارتكاز: يقتبس الأدب الشعبي من التاريخ ما هو شعبي في جوهره الأيديولوجي والفني، دون أن يفقد كل منهما خصوصيته وطابعه. ويتم ذلك بفضل الرواة المحترفين، وخيالهم المتقد وذاكرتهم القوية. وثقافتهم التاريخية العميقة. فيروون على الناس بطابعهم المميز بخصوصية عصرهم. ما استوعبته ذاكرتهم من الأخبار والروايات التاريخية.
وأحداث الأيام المشهورة، وبطولات الشخصيات التاريخية التي كانت فاعلة في أحداث عصرها. ثمّ يدمجون تلك المادة التاريخية بالقصص والأساطير^(^^)التي غدت جزءاً من ثقافة عصرهم دون النظر إلى مفهوم الصدق التاريخي بمعناه العلمي. لأن الصدق في الأدب الشعبي هو صدق الأصالة النفسية التاريخية للشخصيات، والحضور الأصيل لدوافعهم وسلوكهم^(^^)وصدق العلاقة الجوهرية بين أحداث العصر المقتبسة وأحداث العصر الذي ينتج فيه الأدب الشعبي.
وبتلك المفارقة الضرورية بين التاريخ والأدب الشعبي يستطيع الراوي إيقاظ الشعور الإنساني لدى المستمعين، بجعلهم يعيشون الدوافع الاجتماعية والإنسانية والقومية والدينية... التي دفعت الشخصيات التاريخية إلى القيام بأفعالها، وذلك نتج لأن الجوهري في المادة التاريخية المقتبسة هو المواقف والأفعال ودلالاتها وليس التاريخ بدقته العلمية.
2/ ولا تكتمل علاقة الارتكاز دون علاقة التماثل، فالسيرة (حدث مستمر يواكب البيئة التي ينتشر فيها، ثمّ البيئة التي ينتقل إليها بالتناقل الشفوي)^(^^)ولاستمرارها ذاك سمة شعبية تجمع في إطارها بين الثابت والمتحول في آن معاً. ليس في نص السيرة، وإنما في دلالة الأحداث. والعبرة من الاستماع إليها. فالوحدة الثابتة في سيرة الأميرة ذات الهمة مثلاً هي الصراع الدائر بين القبائل العربية في الأجزاء الخمسة الأول. والصراع بين العرب والروم في الأجزاء التالية. والوحدة المتحولة هي التفاعلات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي تفرزها الوضعيات الاجتماعية العربية المتتالية.
ومن ثمّ المضامين الجديدة التي تفرزها تلك التحولات، وتضيفها دلالات الأحداث في السيرة.
فسيرة الأميرة إذن تقوم على ثنائية تقابلية متحولة، تتمحور حول الوحدة الثابتة، فتشكل معها البنية التحتية للتعبير. وهي بنية ثلاثية التركيب، تتكون من طرفين: قبيلة بني سُلَيم ـ الصراع ـ قبيلة بني كلاب أو العرب/ الصراع/ الروم، وتتغير رموز الطرفين وفقاً للتحولات التاريخية والاجتماعية التي تولدها الظروف الجديدة. أمّا الصراع فثابت ويستمر من خلال تغير مدلول الطرفين المتصارعين. ودون ذلك الثبات والتحول تغدو السيرة الشعبية نصاً محنطاً لا ينتشر شفوياً، ولا يتداول في وضعيات اجتماعية جديدة.
[IMAGE: 0x01 graphic]
شكل الوحدة المتحولة في حالة دوران مستمر حول الوحدة الثابتة. وهي بهذا الدوران تفرز دلالات جديدة للوحدة الثابتة.
ويمر ذلك التحول عبر ثلاثة عناصر:
أ ـ حالة التماثل:
(التماثل عملية طبيعية في التصرف الإنساني، وهو رد الفعل الفردي أو الجماعي الناتج من ظاهرة ما. وفي رواية السيرة يكون التماثل رد فعل نقلة السيرة إزاء الرسالة التي تتضمنها السيرة وتسوقها لنقلتها)^(^^)وحتى تتم عملية التماثل لا بد من موضوع وعاملين (العامل أ ـ الموضوع ـ العامل ب) وينبغي أن يكون الموضوع منتسباً في دلالته إلى المحيط الذهني للعاملَيْن، أي متصلاً بالوعي الاجتماعي لهما. أمّا العامل "أ" فهو راو أو ناقل، والعامل "ب" مستقبل أو سامع. ويقوم الراوي بقراءة السيرة على المستمع، فتصبح دلالة الموضوع مشتركة بينهما. وبذلك يتحول المتلقي /المستمع من وضعيته السلبية بوصفه متلقياً فقط إلى وضعية إيجابية فاعلة ناتجة من ردة فعله تجاه الموضوع، كما أن الراوي ليس بمنأى عن رد الفعل ذاك. فهو يتماثل مع