يفعله المؤرخ، فلم يتقيد بالزمان والمكان، وزج بشخصيات متخيلة في الأحداث، ولم يلزم نفسه - على الرغم من أنه أشار إلى المصادر التاريخية التي استقى منها مادة روايته - بأحداث التاريخ، ولم يتقيد بالحقيقية التاريخية، بل تصرف فيها بما يخدم فكرة الرواية، والرمز الرئيس فيها^(^^). ملاحظات ونتائج: 1- اختلف الباحثون والمفكرون حول مفهوم التراث، كما تعددت مواقفهم منه. ونميز هنا بين ثلاثة مواقف هي: الموقف السلفي الذي دعا إلى إعادة التراث، والموقف الرافض الذي دعا إلى تجاوز التراث، والموقف الجدلي الذي سعى إلى رؤية الماضي في ضوء الحاضر، ورؤية الحاضر في ضوء الماضي. 2- أخرج المفكرون والباحثون التراث الشعبي من دائرة التراث^(^^)، ونظروا إليه نظرة استعلاء، لذا اخترنا تعريفاً للتراث توخينا فيه الشمولية، فأصبح يضم التراث الرسمي والشعبي، واللغوي وغير اللغوي. 3- تبين لنا لدى دراستنا للمؤثرات التراثية في بواكير الإبداع الروائي العربي، والرواية العربية في النصف الأول من القرن العشرين أن تأثير الأدب الشعبي وفن المقامات كان كبيراً، وأن الروائيين الأوائل اتخذوا الشكل التراثي وعاءً ملؤوه بالمضامين الجديدة. 4- غاب التراث غير اللغوي عن بواكير الإبداع الروائي العربي، مما يدل على تعالي الروائيين الأوائل على تراث بيئاتهم. الفصل الأول توظيف الحكاية الشعبية 1-توظيف ألف ليلة وليلة 2-توظيف الشخصية الحكائية 3-أشكال توظيف الحكاية 1- توظيف ألف ليلة وليلة: لم يحظ كتاب قديم بالاهتمام والتقدير الذين حظيت بهما حكايات ألف ليلة وليلة التي تبوأت مكانة مرموقة في سلم الأدب العالمي، وأثرت في كثير من الأعمال الفنية في العصر الحديث، وتأسست عليها أعمال إبداعية كثيرة في المسرح والرواية والموسيقا أيضاً^(^^). وقد عرف الأدب الأوربي حكايات ألف ليلة وليلة منذ القرن السابع عشر، حيث أخضعها لذوقه الجمالي، ولمذاهبه النقدية، وكان لها تأثير كبير في نشأة الرواية الغربية التي بدت مؤسسة على الموروث الحكائي العربي^(^^). أما الرواية العربية فيرجع اتصالها بحكايات ألف ليلة وليلة إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث عمد الروائيون الأوائل إلى مراعاة ذوق القراء الذين كانوا من أنصاف المثقفين، والذين وجدوا في أعمال هؤلاء الكتاب ما يمتعهم ويسليهم، بوصفها بديلاً للمؤلفات الشعبية التي عاشت في وجدانهم فترة طويلة من الزمن. وقد بلغ تأثير حكايات ألف ليلة وليلة في الروايات الأولى حد التشابه، فخضعت الأحداث للمغامرات، والغرائب والعجائب، والمصادفات، والاستطراد، والتوسل بالحيل لبلوغ الغايات، والاستشهاد بالشعر، وتأثرت الشخصيات بشخوص ألف ليلة وليلة، فبدت إما خيرة، وإما شريرة، لا يؤثر فيها الزمن ولا البيئة^(^^). لقد ظلت ألف ليلة وليلة تهيمن على الرواية العربية حتى ظهور رواية "القصر المسحور"^(^^) لمؤلفيها طه حسين وتوفيق الحكيم، حيث بدت محاولة الكاتبين واضحة للتخلص من هيمنة النص التراثي، والإفادة منه في تطوير الرواية العربية، عبر استدعائه ومحاورته، وكتابة نص جديد يتأسس على التراث، و يتجاوزه دون أن يكرره، ولكن محاولة طه حسين وتوفيق الحكيم لم تكن ثورة شاملة في توظيف التراث الحكائي، لأنها كانت مجرد أحاديث خطرت ببال المؤلفين حول علاقة المبدع بشخصيات عمله الإبداعي. ما عجزت عنه رواية "القصر المسحور" حققته روايات أخرى، كرواية "ليالي ألف ليلة" لنجيب محفوظ ورواية "ألف ليلة وليلتان" لهاني الراهب، ورواية "بدر زمانه" لمبارك ربيع، ورواية "رمل الماية، فاجعة الليلة السابقة بعد الألف" لواسيني الأعرج، وغيرها كثير. وقد تعددت طرائق الروائيين في توظيف ألف ليلة وليلة، فبعضهم أقام بناء روايته على بناء ألف ليلة وليلة، ووظفها بشكل كلي، كما فعل نجيب محفوظ في روايته "ليالي ألف ليلة"، وبعضهم ضمن روايته حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، كرواية "سلطان النوم وزرقاء اليمامة" لمؤنس الرزاز، في حين اكتفى بعض الروائيين بالإشارة إلى بعض الصور والموضوعات. توظيف البنية العامة لألف ليلة وليلة: نعني بالبنية العامة للحكاية تركيب النص على مستويات الحكاية، والأحداث، والشخصيات والمكان والزمان^(^^). وتتألف بنية الرواية من وحدات سردية صغرى، يشكل مجموعها البنية العامة للنص. ولابد أولاً