عبد الله الندیم سیرة عطرة و حیاة حافلة

نزیه حمزة

نسخه متنی -صفحه : 47/ 7
نمايش فراداده

السادس والعشرين من حزيران وبكتاب آخر أجبره السلطان على التخلي عن العرش لولده توفيق ثم ركب عباب البحر إلى إيطاليا ثم إلى الآستانة ليكمل تآمره على البلاد. كان توفيق على علاقة حسنة مع الحركة الوطنية وخاصة مع جمال الدين الأفغاني الذي رأى فيه أملاً وبارقة نور كما كان يقول له، وكالعادة ركب موجة الإصلاح في بداية عهده فخفف كثيراً من الضرائب وألغى عدداً منها وأبطل نظام السخرة والضرب بالكرباج عند تحصيل الضرائب وأموال الدولة وجعل قصور والده ملكاً للحكومة وأعلن أنه مؤيد للحياة البرلمانية وباختصار //فقد أظهر عطفاً على الأماني القومية//(17). على هذه الأسس الإصلاحية شكّل شريف باشا وزارة جديدة سرعان ما أنجزت مشروع الدستور وعرضته على الخديوي الذي رفضه بضغط من الإنكليز والفرنسيين وتنكر لمبادئ الإصلاح ولكل ما كانت قد أنجزته الحركة الوطنية وتخلى عن مطالب الضباط في تحقيق أماني الأمة وأخذ يعمل على مقاومتهم بشتى الوسائل التي توفرت لديه. باستقالة شريف باشا ووزرائه خضعت البلاد لحكم الخديوي المطلق وعادت إلى ما كانت عليه زمن والده وارتمى توفيق في أحضان الإنكليز يؤازره في ذلك الأمراء والأتراك وممن ارتبطت مصالحهم بمصالح الأجانب وجمع بين رئاسة الوزارة والدولة معاً حيث شكّل وزارة أشرك فيها شخصيات سيئة السمعة والتاريخ ومن الموالين للأجانب ثم أعقب ذلك نفي الأحرار وعلى رأسهم جمال الدين الأفغاني. عبّر الشعب عن استيائه من هذه الردة بتلاحم صفوفه وانطوائه تحت راية الحركة الوطنية ورجالها وانقسمت البلاد إلى فريقين متباينين أحدهما يمثل الخديوي والإنكليز وأعوانهما والآخر يجمع أبناء الشعب المصري بجميع طبقاته وفئاته تتزعمه قيادة وطنية متمرسة حريصة على حقوق شعبها. كلف رياض باشا بتشكيل وزارة جديدة رغبة منه في امتصاص نقمة الشعب، وكان رياض من السياسيين الموالين للإنكليز وعلى الرغم من قيامه ببعض الإصلاحات ظلّت وزارته موالية للإنكليز حيث أعادت المراقبة الثنائية الأجنبية على المالية المصرية. وإزاء هذا فقد تلاحم الشعب والجيش وأصبح كل منهما يعبر عن مصالح الآخر ويحرسها والتقت الكلمة على المطالبة بدستور البلاد والدفاع عن مصالح الضباط وسرت النقمة في صفوف الجند وأخذ الناس ينظرون إلى الجيش على أنه المنقذ مما هم فيه من استبداد وفردية وبدا عرابي الأمل الذي يحمل مطالب //الجيش ومطالب الأمة على نحو لم يسبق لفلاح قبله في مصر منذ قرون ودار اسمه على كل لسان في القاهرة وسمع بذلك الاسم من لم يسمع به من الأجانب ورغب الكثيرون في رؤيته فقدموا إلى القاهرة يحملون إليه الهدايا وأصبح في رأي الناس حامي الأمة يؤيده العلماء الذين أعجبوا بجرأته وحميته//(18). أمام هذه الوحدة الوطنية خشي توفيق أن تتكرر مظاهرة الضباط التي كانت قد جرت في عهد والده، فأخذ يشدد قبضته على من هو مصري الأصل منهم وثبت لدى هؤلاء أن الوزارة تريد أن تتخلص منهم فأخذوا يعقدون الاجتماعات السريّة //ودراسة الأساليب التي تكفل لهم حقوقهم//(19) وشكّلوا جمعية تتولى الدفاع عن مصالحهم وتقاوم طغيان وزير الحربية رفقي باشا وكان الضابط الفلاح أحمد عرابي رئيساً لهم وكانت هذه الجمعية //النواة الأولى التي انبثقت منها الثورة العرابية//(20). كان عثمان رفقي وزير الحربية رجلاً //ساذجاً محدود الإدراك عنصرياً موالياً للإنكليز//(12) سعى إلى تطويق الضباط العرب المصريين والتضييق عليهم فأحال أحد أعمدة الحركة الوطنية الضابط عبد العال حلمي على الاستيداع وأساء معاملة زملائه الآخرين، وعندما احتجت الجمعية الوطنية وقدمت عريضة تشكو وزير الحربية لم تلق آذاناً صاغية ولم يجر التحقيق في تقريرها، ولإذلال الضباط العرب طلب عثمان رفقي منهم أن يعملوا في حفر الترع عند ذلك رفض أحمد عرابي الأمر قائلاً: إن حفر الترع ليست من اختصاص الجيش ولا من عمله. وفي الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني لعام 1881 قدّم الضباط العرب عريضة ثانية إلى الخديوي ضمنوها شكوى على وزير الحربية ورئيس الوزراء وبعد فترة وجيزة صدر قرار بمحاكمتهم وإحالتهم على التأديب وفي مقدمتهم أحمد عرابي، وتقرر ذلك في الأول من شباط من عام 1881 وبعد محاكمة سريعة اعتقلوا وأدخلوا إلى السجن، غير أن رفاقاً آخرين لهم أنقذوهم بعد أن اقتحموا السجن في هجوم صاعق وأطلقوا سراحهم. بعد هذه العملية العسكرية المحدودة أجبرت الحركة الوطنية الخديوي على إقالة عثمان رفقي وعين بدلاً منه محمود سامي البارودي الشاعر المعروف وأحد أقطاب التيار الوطني