محور التجاوزی فی شعر المتنبی

أحمد علی محمد

نسخه متنی -صفحه : 82/ 16
نمايش فراداده


  • يا من يعزُّ علينا أن نفارقهم ما كان أخلقنا منكم بتكرُمةٍ إن كان سرَّكُمُ ما قال حاسدُنا وبيننا لو رعيتُمْ ذاك معرفةٌ كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم ما أبعدَ العيبَ والنُّقْصَانَ من شرفي أنا الثُّريا وذان الشّيب والهرم

  • وجداننُا كلَّ شيءٍ بعدكم عدم لو أنّ أمركُم من أمْرِنا أمم فما لجُرْحِ إذا أرضاكم ألم إنَّ المعارفَ في أهل الهوى ذِمَمُ ويكرُهُ اللهُ ما تأتون والكرُم أنا الثُّريا وذان الشّيب والهرم أنا الثُّريا وذان الشّيب والهرم

ينهض هذا الشاهد من بين شواهده الباقية للدلالة على شخص المتنبي الشاعر الذي استطاع أن يعلو بصفة الشعر جملة من الصفات التي ألبسها الشعراء لممدوحيهم عبر تاريخ الشعر عامة, فالممدوح في القصيدة العربية يجسد الكمال والفضيلة بمعناهما المطلق, ولم يكن مبذولاً للقصيدة عبر ذلك التاريخ الطويل أن تلتفت إلى صانعها لتنهض بتشخيص فضائله وكماله, غير أن المتنبي في الشاهد الآنف قد جعل من القصيدة مطية لإبراز الذات وما تنطوي عليه من فضائل دونها كل فضيلة, فهي مكمن الحب الصادق حين تستوطن في صدور المحبين عامة عواطف زائفة, وهي التي تكتم ذلك الود الصافي مع ما يصاحب ذلك الكتمان من سقم ومعاناة, إذ سائر من يدعي الحب يظهر حبه تزلفاً ومحاباة, ومن ثم ففكرة النص لا تدور إلا حول الشاعر, وهي وثيقة تنصر موقفه, وبالمقابل تظهر الممدوح مداناً مهزوماً أمام صورة الشاعر? الضخمة.

ومثلما انفرد المتنبي في معاني المديح من جهة التقائها بمعاني الغزل, انفرد بإيجاد مثل ذلك الالتقاء بين معاني الغزل ومعاني البطولة المستعملة في الحرب تلك التي أدرجت تحت إطار لطائف المتنبي في باب الإبداع والاختراع والتوليد, ومن ثم سجل لنفسه انحرافاً عن جملة المعاني المعروفة في ذلك السياق فمن ذلك قوله :


  • شُجَاعٌ كأنَّ الحربَ عاشقةٌ لـه إذا زارها فَدَّتْهُ بالخيل والرَّجْل

  • إذا زارها فَدَّتْهُ بالخيل والرَّجْل إذا زارها فَدَّتْهُ بالخيل والرَّجْل

وقوله:


  • حَمَى أطرافَ فارسَ شَمَّريٌ بضربٍ هاجَ أطرابَ المنايا فلو طُرِحَتْ قلوبُ العِشْقِ فيها لَمَا خافتْ من الحدَقِ الحسانِ

  • يَحفُنُّ على التّباقي في التَّفاني سوى ضربِ المثالثِ والمثاني لَمَا خافتْ من الحدَقِ الحسانِ لَمَا خافتْ من الحدَقِ الحسانِ

ومن شأن هذه الأمثلة تبيان صنيع أبي الطيب في المزاوجة بين الموضوعات, وهذا تجاوز آخر في هذه المسألة؛ لأنّ أوصاف الحرب تختلف عن معاني الغزل, إذ استقرت كلّ طائفة منها في موضوع خاص, غير أنّ المتنبي قد أزال الحدود بين موضوعي الحرب والغزل ليستعير بعض ألفاظ الغزل ويضعها في سياق غير سياقها, والدافع إلى ذلك التميز والسبق.

7 ـــ الحكمة

إنّ الحال الشعرية التي يجسدها المتنبي محكومة بالاختلاف والتنوع الشديد, فهو الذي نقل الشعر العربي بنزوعه الشديد إلى المعاني الحكمية من دائرة الغنائية التي تنحل في الحقيقة عن الجوانب الذاتية المؤسسة للشعر إلى إلى حيز الفكر الناجم عن التأمل الكوني العميق, ومن هنا ندرك سبب تركيزه الشديد على الفكرة وميله الواضح إلى تحميل القصيدة, كلّ قصيدة, طاقة من الأفكار لم تعتد حملها في السابق, وهذا مؤشر يستحق التأمل, لأنّ الشعر العربي قبل المتنبي حاول ملامسة الأفكار بطريق أبي تمام على نحو خاص, وربّما انطوى قبل ذلك على بعض المعاني التي أفرزتها مجادلات الفرق الكلامية بصورة فجة ككلام أبي نواس على الكمون والجزء والكل, وجملة ما كان يدور على ألسنة المتكلمين في عصره, وحتّى شعر بشار الذي نقض فيه بعض كلام المعتزلة أمثال واصل بن عطاء, فهذه الصور لم تتمثل