وكان للأعشى شيطان، اسمه "جهنّام"، وهو تابعة، أي شيطانة أنثى. وكان لقب "عمرو بن قطن" من "بني سعد بن قيس بن ثعلبة"، وكان يهاجي الأعشى، وقال فيه الأعشى:
وقيل إن "جهنام" كان شيطان الأعشى الأول، ثم أتخذ الأعشى مسحلاً بعده.
وزعم ان "امرئ القيس" كانت له قصائد ومطارحات مع "عمرو الجني" وان اسم شيطان "امرئ القيس" هو "لافظ بن لاحظ". وان اسم شيطان "عبيد بن الأبرص" هو "هبيد"، وهو اسم شيطان "بشير بن أبي خازم ؟" "بشر بن أبي خازم"كذلك. وان اسم شيطان "النابغة" الذبياني، هو "هاذر بن ماهر". وان اسم شيطان "المخبل" السعدي، هو "عمرو".
وقد بقي هذا الاعتقاد في شياطين الشعراء إلى الإسلام، فكان الشيطان الذي يلقي الشعر إلى "جرير"، هو "ابليس الأباليس"، وكان اسم شيطان الفرزدق "عمرو"، واسم شيطان بشار بن برد "شنقناق". وكان جني "حسان" وصاحبه الذي يوحي اليه الشعر من "بني شيصبان"، "وكانت الشعراء تزعم أن الشياطين تلقي على أفواهها الشعر، وتلقّنها إياه، وتعينها عليه، وتدعي أن لكل فحل منهم شيطاناً يقول الشعر على لسانه، فمن كان شيطانه أمرد كان شعره أجود"، وورد أن "الفرزدق" كان يرى أن للشعر شيطانين، يدعى أحدهما "الهوبر" والآخر "الهوجل"، فمن انفرد به "الهوبر" جادّ شعره وصح كلامه، ومن أنفرد به "الهوجل" فسد شعره.
وقد زعم "أبو النجم" أن شيطانه الذي يوحيّ اليه الشعر شيطان ذكر، أما شياطين بقية الشعراء فأناث:
وقال آخر:
وروي ان السعلاة لقيت "حسان بن ثابت" في بعض طرقات المدينة، وهو غلام قبل أن يقول الشعر، فبركت على صدره، وقالت أنت الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم ؟ قال: نعم. قالت: فأنشدني ثلاثة أبيات على روي واحد وإلا قتلتك، فقال:
فخلت سبيله. فهذه الأبيات هي على زعم أهل الأخبار أول شعر حسان. قالها بوحي من شيطانه: "الشيصبان".
وليس هذا الشيطان الذي تصوره الجاهليون، يلهم الشعراء وحيهم ويلقي اليهم الشعر إلقاء بقذفه في قلوبهم، ليخرج على السنتهم، هو من وحي الجاهليين ومن تخيلاتهم وتخرصاتهم وحدهم، بل هو شيء معروف عند غيرهم أيضاً. فقد تصور اليونان أن للشعر آلهة تقذف الشعر في نفوس الشعراء، فينطلق على ألسنتهم. والرئي الذي يوحي إلى "الكاهن" علمه بالكهانة، هو ضرب من هذه الشياطين التي تخيلوها للشعراء، فبفضل "الرئي" يقول الكاهن سجعه لمن يطلب منه أن يتكهن عن أمر سأله عنه، وهو يجيب السائل بما يلقيه رئيه عليه. يلقيه سجعاً، أما شيطان الشاعر، فيلقيه على شاعره شعراً، ومن هنا وقع الفرق بين قول الشاعر وبين قول الكاهن.
وكانوا يسمون الشعراء "كلاب الحي"، وهم الذين ينبحون دونهم، ويحمون أعراضهم. وفي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:
وأما "كلاب الجن"، فشعراؤهم، وهم الذين ينبحون دونهم ويحمون أعراضهم.
عرّف علماء العربية الشعر بقولهم: "الشعر: منظوم القول، غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية، وإن كان كل علم شعراً من حيث غلب الفقه على علم الشعر". وعرّف "الأزهري" الشعر بقوله: "الشعر القريض المحدود بعلامات لا يجاوزها، والجمع أشعار، وقائله شاعر، لأنه يشعر ما لا يشعر غيره، أي يعلم".