للزبرقان بن بدر، بينما يرويه غيرهم، للنابغة. وقد ذكر الرواة، إن من المحتمل إن يكون "الزيرقان" استزاده في شعره كالمثل حين جاء موضعه لا مجتلباً له، وقد تفعل ذلك العرب، لا يريدون به السرقة. وقد حدث مثل ذلك في بيت شعر هو لابي الصلت بن ابي ربيعة، هو:
بينما ترويه بنو عامر للنابغة الجعدي.
ونسب:
إلى "هدبة بن خشرم"، وعزاه آخرون إلى "ابي الطمحان" من المخضرمين، ثرب الزبير بن عبد المطلب.
وروي أن البيت: تعدو
وهو بيت بنسب إلى "أمية بن ابي الصلت"، وكان معروفاً عند حفظة الشعر مثل "الحسن بن علي بن ابي طالب" انه له، الا إن الرواة يذكرون إن "النابغة" الجعدي، قال للحسن: "يا ابن رسول الله، والله اني لاول الناس قالها، وان السروق من سرق امية شعره". وروي ايضاً إن البيت:
هو من قصيدة للنابغة الجعدي، غير إن قسماً من علماء الشعر يرويها لأمية ابي الصلت، وقسماً اخر، كان متردداً، فقد ذكر ام راوية سأل "خلف الاحمر" عن القصيدة، فقال: للنابغة، وقد يقال لأمية. ويظهر من هذين المثلين، أن الرواة كانوا يخلطون بين شعري الشاعرين.
ومن ذلك نسبة الشعر الذي فيه:
إلى عبيد بن الابرص، أو أوس بن حجر: ونسبة الشعر:
إلى رؤبة والى الحطيئة.
ويقع من ذلك شيئ كثير مذكور في كتب الشعر والادب، وهو يدل على إن الشعر لم يكن مدوناً في بادئ امره، وانما كان يروي حفظاً، ولو كان قد أخذ من كتاب لما جاز عقلاً وقوع مثل هذا الخطأ والاشتباه.
ويحدث إن شاعرين يصنعان قصيدتين من بحر واحد وروي واحد، فيختلط امرهما على الرواة، يدخلون أبياتاً من هذه في تلك، فتختلط نسبة الابيات.
وقد وضع على لسان "عدي بن زيد" العبادي شعر كثير. وقد علل "ابن سلام" سبب ذلكبقوله: "كان يسكن الحيرة ومراكز الريف، فلان لسانه، وسهل منطقه، فحمل عليه شيئ كثير، وتخلصه شديد، واظطرب فيه خلف، وخلط فيه المفضل فأكثر. وله اربع قصائد غرر وروائع مبرزات، وله بعدهن شعر حسن"، وقد تكون العصبية يد في هذا الوضع. فعدي من اهل الحيرة، وقد تعصب اهل الكوفة للحيرة، إذ انتقل اكثر اهل الحيرة إلى الكوفة، فأقاموا بها، وتعصبوا لتأريخهم القديم، فلعل هذه العصبية هي التي حملتهم على وضع الشعر على لسانه لرفع شأن نصارى الحيرة في الشعر.
ومع اشتهار الحيرة بالكتابة، واشتهار "عدي" بها خاصة، إذ كان من كتاب "كسرى" بالعربية، فإننا لم نعثر على خحبر يفيد إن الرواة اخذوا شعر "عدي" عن ورقة جاهلية، أو ديوان جاهلي مدون. ولو كان لعدي ديوان مدون، لما وقع في شعره ما قاله "ابن سلام".
وقد يسأل سائل: كيف أن يعقل إن يضع شاعر مثل حماد الراوية فخماً جزلاً يستعز به ينسبه إلى الجاهليين؟ ولو نسبه إلى نفسه لكان اليوم فخراً له ولعد من أكابر الشعراء فأقول: كان طلب آل مروان للشعر الجاهلي شديداً. وهذا ما صير رواية الشعر من الحرف النافعة التي كانت تدر أرباحاً طيبة لأصحابها تزيد على الارباح التي يحصل عليها الشاعر من شعره. وقد كسب حمّاد من حرفته هذه مالاً حسناً. غير أن الإلحاح في طلب هذا الشعر والغغراء الذي أبداه عشاقه للرواة، لأفسد الرواة، وحملهم على وضع الشعر وحمله على القدماء للحصول على الاجر، ولنيل الخطوة، ولأظهار العلم وسعة الحفظ.