رواة الشعر - مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام - جلد 4

جواد علی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وقد زاد في هذا الوضع المنافسة
الشديدة التي كانت بين الرواة، فخلقت هذه
الظروف وأمثالها شعراً جديداً منحولاً
حسب على ملاك شعر الجاهليين.

ونجد في ثنايا كتب الأدب وفي كتب الشعر
أشعاراً كثيرة منحولة وضعت قديماً على
ألسنة الجاهليين، وضعت لأن الناس كانوا
يومئذ في شوق عظيم وتعطش إلى سماع أشعار من
قبلهم، كانوا يقبلون عليها أكثر من
إقبالهم على شعر معاصريهم من الشعراء،
ويجزلون له العطاء أكثر من إجزالهم لسماع
شعر شاعر معاصر، إلا ما قد يكون منه المدح
والذم. وكان ربح الرواية القدر التبحر
بالشعر الجاهلي المتجر به العارف بنظم
الشعر لا يقل عن ربح الشاعر العظيم أن لم
يزد عليه في أكثر الأحيان. والعادة أن
مكافأة الشاعر العاصر على شعره، لاتكون
إلا في أمور لها صلة بالمجتمع، مثل المدح
والهجاء والهزل والاستخفاف والتضحيك، أما
في غير ذلك فتقديره إلى العلماء ,اصحاب
الذوق، وهم لايثبتون على هذه الأمور إلا
قليلاً، ولهذا يكون تقدير الشاعر الذي
لايمدح ولا يهجو ولا يقرب لاحد بالأمور
المذكورة، بعد موته في الغالب، فلا ينال
مثل هذا الشاعر من العيش ما يكفيه. ثم إن
الرواية مطلوب في كل وقت، مرغوب فيه،
وسوقه رائجة. فإذا غنّت مغنية بيتاً
قديماً، أراد السامعون معرفة صاحبه،
وأكثر الناس خبرة بأصحاب الشعر القديم هم
الرواة، وهم قلة، لما يجب أن يكون في
الرواية من خصائص تجعله من نوادر الرجال.

فالذكاء الخارق، والعلم بالشعر
وباساليبه، والتمكن من العربية بمفرداتها
وبلهجاتها وبالقبائل وبأيام العرب
وبأمثال وبأمثال ذلك، هي من اللوازم التي
لا تتهيأ لكل إنسان، ولذلك لم يكن أمثال
هؤلاء الرواة إلا أفراداً نص العلماء على
أسمائهم نصاً. وقد نالوا في أيامهم شهرة لم
تكن أقل منزلة من شهرة أفذاذ الشعراء، وقد
تدرب عليهم فحول الشعراء، وتخرج من
مدرستهم أعاظم شعراء العرب في الإسلام.
فرواية الشعر إذن وحفظه وصنعه، لم تكن
حرفة سهلة يسيرة، ولا منزلة صغيرة بالنسبة
إلى منزلة الشلعر، انها لاتقل في السمو عن
أرفع منزلة وصل اليها الشعراء في ذلك
العهد. ولم يقل دخل الر واية من عطايا
الملوك وهداياهم بأقل من دخل الشاعر، إن
لم يزد عليه في بعض الأحيان، ولهذا فليس
بغريب إذا ما رأينا الشاعر ينسب شعره
للجاهليين، ويرويه على أنه من شعر شاعر
جاهلي قديمن ولاينسبه لنفسه.

وآفة ما تقدم عدم التدوين والتقييد، ولو
كان الشعر مدوناً في صحف وكتب، ومقيداً
على حجر، لما ضاع هذا الضياع، ولما
اعتبوره هذا التغيير، الخطير، فحور فيه
وغير، وقد ادرك أثر هذا المرض على الشعر،
شاعر اسلامي، هو ذو الرمة، فقال: "لعيسى بن
عمر: أكتب شعري، فالكتاب أحب الي من الحفظ
لأن الارابي ينسى الكلمة وقد سهر في طلبها
ليلته، فيضع في موضعها كلمة في وزنها، ثم
ينشدها الناس، والكتاب لا ينسى ولا يبدل
كلاماً بكلام".

وقد كان للشعراء الذين ظهروا في أيام
الامويين رواة، يروون شعرهم، كما كانوا
يهذبونه وينقحونه ويدخلون بعض التغيير
عليه، بعلم الشاعر وبموافقته، لعلة فاتت
عليه، فقد كان لجرير رواته، وكان للفرزدق
رواته، وكانوا يقومون ما أنحرف من شعرهم
وما قد يكون فيه من سناد وعيوب، خفي أمرها
على الشاعر، فأدرك أمرها الرواة.

رواة الشعر

وقد ذكر علماء الشعر إن للشعراء في
الجاهلية كانوا يتخذون لهم رواة يحفظونهم
شعرهم حفظاً ويروونه رواية. ومعنى هذا إن
اولئك الرواة كانوا يلازمون الشعراء،
فأذا نظم الشاعر شعراً تلاه على راويته
ليحفظه فلا ينساه، واذا غير الشاعر شعره
أو عدل فيه اشار على راويته بما غير وعدل
حتى يعدل هو ويغير في الذي حفظه. فراوية
الشاعر، هو نسخة ثانية حافظة لشعر الشاعر،
أما النسخة الاولى، فهو الشاعر نفسه. وقد
يتهيأ للشاعر جملة رواة. ويقال لمن يحفظ
الكثير من الشعر، وللكثير الرواية هو
"راوية للشعر".

وأولئك الرواة، هم دواوين شعر ناطقة،
تحفظ المتون، أي أصول الشعر، كما تحفظ
المناسبات، أي الظروف التي قيل فيها ذلك
الشعر. وهم أنفسهم ذوو حس مرهف، وفهم عال
للشعر، إذ لا يقبل على رواية الشعر وحفظه
إلا أصحاب الحس المرهف الموهوبون، الذين
لهم طبع شاعري، وميل غريزي فيهم اليه.
ولهذا تنتهي الرواية بالرواية في الاغلب
إلى قول الشعر ونظمه، فيكون في عداد فحول
الشعراء، والرواية هي تمرين وإعداد لقول
الشعر، ولفهم دروبه تساعد الموهوب في
إظهار مواهبه.

/ 456