طباع الشعراء - مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام جلد 4

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مفصل فی تاریخ العرب قبل الإسلام - جلد 4

جواد علی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

طباع الشعراء

والشعراء في الطبع مختلفون، منهم من يسهل
عليه المديح ويعسر عليه الهجاء، ومنهم من
تتيسر له المراثي ويتعذر عليه الغزل،
ومنهم من يحسن الوصف، فإذا صار إلى المديح
والهجاء، أو إلى الحكم والموعظة، خانه
الطبع، وتأخر عن غيره من الفحول. ومن هنا
لم يبرز فحول الجاهلية، ومن عدّ في الطبقة
العليا من طبقات الشعراء في كل درب من دروب
الشعر وطرقه وفنونه. بل ظهروا وبرزوا في
أمور، وتأخروا أو لم يبرزوا في أمور أخرى،
فذكروا مثلاً ان "النابغة" الجعدي، كان
أوصف الناس لفرس. وورد عن "ابن الأعرابي"
قوله: "لم يصف أحد قط الخيل إلا احتاج إلى
أبي دواد، و لا وصف الحُمر إلا احتاج إلى
أوس بن حجر، و لا وصف أحد النعامة إلا
احتاج إلى علقمة بن عبدة، و لا أعتذر أحد
في شعره إلا احتاج إلى النابغة الذبياني.

وقد قال من قدّم "امرئ القيس" على غيره من
الشعراء، انه "سبق العرب إلى أشياء
ابتدعها استحسنتها العرب واتبعته فيها
الشعراء، منه استيقاف صحبه والبكاء في
الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ، وشبّه
النساء بالظباء والبيض والخيل والعقبان
والعصي، وقيّد الأوابد ؛ وأجاد في
التشبيه، وفصل بين النسيب وبين المعنى،
وكان أحسن طبقته تشبيهاً". فهذه هي المزايا
التي ميزت شعره عن غيره من الجاهليين.

وقال علماء الشعر الذين قدّموا النابغة
على غيره، انه كان أحسنهم ديباجة شعر،
وأكثرهم رونق كلام، وأجزلهم بيتاً، كأن
شعره كلام ليس فيه تكلف. وأما الذين قدّموا
"زهيراً"على غيره، فقالوا: "كان زهير أحكمهم
شعراً وأبعدهم من سخف، وأجمعهم لكثير من
المعنى في قليل من المنطق، وأشدهم مبالغة
في المدح".

وقلما نجد الشاعر الجاهلي يعنى بوصف
الطبيعة أو مظاهرها بشعر خاص، كأن يصف
المطر وحده، أو الشمس والكواكب والأجرام
السماوية، أو الجبال أو السهول أو
الحيوانات أو النبات، وصفاً خاصاً لا يهرب
منه إلى أمور أخرى لا صلة لها بهذا الوصف،
ثم إنه قلما يتعمق في الوصف، فيصف الأجزاء
والفروع وكل ما في الموصوف من مميزات، وهو
إذا وصف الطبيعة، أو تعرض لوصف مشهد بارز
منها أثر عليه، فإنه لا يفرد ذلك الوصف في
كلمة خاصة به لا يشاركه فيها مشارك بحيث
يكون شعره وصفياً خاصاً بالطبيعة، وإنما
يقحم الوصف في القصيدة جرياً على العرف
الشعري الذي سار عليه الشعراء، وليس عن
عمد وتقصد لوصف ما يراد وصفه بالذات. ثم هو
لا يصف من الشيء الموصوف ككل، وإنما يصف
منه ما يلفت نظره، وما يؤثر على حسه وبصره.
فهو إذا وقف أمام شجرة لا ينظر اليها ككب،
إنما يستوقف نظره شيء خاص فيها، كاستواء
ساقها أو جمال أغصانها ؛ وإذا كان أمام
بستان لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه
كما تلتقطه "الفوتوغرافيا"، إنما يكون
كالنحلة يطير من زهرة إلى زهرة فيرتشف من
كل رشفة.

هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي
يكشف لك ما ترى في أدب العرب-حتى في العصور
الإسلامية -من نقص، وما ترى فيه من جمال.

فأما النقص فما تشعر تقرأ قطعة أدبية
-نظماً أو نثراً-من ضعف المنطق، وعدم تسلسل
الأفكار تسلسلاً دقيقاً، وقلة ارتباطها
بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً، حتى لو عمدت
إلى القصيدة -وخاصة في الشعر الجاهلي
-فحذفت منها جملة أبيات أو قدّمتَ متأخراً
أو أخرت متقدماً، لم يلحظ القارئ أو
السامع ذلك-وإن كان أديباً - ما لم يكن قد
قرأها من قبل.

"وهذا النوع من النظر هو الذي قصَّر نَفس
الشاعر العربي، فلم يستطع أن يأتي
بالقصائد القصصية الوافية، و لا أن يضع
الملاحم الطويلة كالإلياذة والأوديسا.

أما ما أفادهم هذا النوع من التفكير، وخلع
على آدابهم جمالاً خاصاً، فذلك ان هذا
النظر لما انحصر في شيء جزئي خاص جعلهم
ينفذون إلى باطنه، فيأتون بالمعاني
البديعة الدقيقة التي تتصل به، كما جعلهم
يتعاورون على الشيء الواحد، فيأتون فيه
بالمعاني المختلفة من وجوه مختلفة، من غير
إحاطة و لا شمول، فامتلأ أدبهم بالحِكم
القصار الرائعة والأمثال الحكيمة.
وأتقنوا هذا النوع إلى حد بعيد، غَنِيَ به
عقلهم، وانطلتق به ألسنتهم، حتى لينهض
الخطيب فيأتي بخطبته كلها من هذه الأمثال
الجيدة القصيرة، والحكم الموجزة الممتعة،
فلكل جملة معانٍ كثيرة تركزت في حبّة، أو
بخار منتشر تجمع في قطرة. ولما جاء الإسلام
تقدم هذا النوع من الأدب، واقتبسوا كثيراً
من حكم الفرس والهند والروم".

/ 456