وقد اوردت الكتب امثلة كثيرة على التصحيف، وقع فيه كثير من العلماء، من ذلك ما وقع لأبي عمرو وللاصمعي، ولأبي حاتم ولكبار علماء اللغة، ويعدجو سببه إلى التنقيط، فالحروف مثل الجيم، والحاء والخاء، تميز بينها النقط، فإذا أخطأ الكاتب في وضع النقطة في محلها، وقع التصحيف. وقد يقع، ولا يقع خلل في القراءة، وانما يتبدل المعنى، دون إن يشعر القارئ بوجود ارتباك في معنى المقروء، وقد يقع في الاعلام من اسماء الرجال والنساء والامكنة، وقد وقع التصحيف في الكتب بسبب السهو في النسخ، أو جهل النساخ، ومن ذلك ما وقع في كتاب "العين" وفي كتب لغوية وأدبية ثمينة، أمكن رد بعضه إلى الصحيح، ولم يمكن تصحيح بعض اخر، لصعوبة تعيين المراد.
وقد روى "العسكري" قصة طريفة على التصحيف والتحريف، ذكر أنه "كان حيان بن بشر قد ولى قضاء بغداد، وكان من جملة اصحاب الحديث فروى يوماً أن عرفجة قطع انفه يوم الكلاب، فقال له مستمليه: أيها القاضي، انما هو يوم الكلاب، فأمر بحبسه، فدخل الناس، فقالوا: ما دهاك؟ قال: قطع أنف عرجفة في الجاهلية، وابتليت به أنا في الإسلام".
وبسبب اعتماد الرواة على الذاكرة في حفظ الشعر وروايته، وأنفة المتقدمين منهم من تدوينه، ومن الرجوع إلى الصحف، وقع الخلط في شعر الشعراء فصاروا ينسبون شعراً لشاعر، بينما هو من شعر شاعر آخر، أو إلى شاعر ثالث في موضع آخر من الكتاب، أو في كتب أخرى. وما كان ذلك ليقع، لو كان القدماء قد اخذوا العلم بطريق الكتابة والتدوين. من ذلك مثلاً الشعر:
فأنه ينسب لأبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، وينسبه بنو عامر للنابغة الجعدي. ومن ذلك قصيدة:
فقد نسب لأمرئ القيس الكندي، ونسبت لعمرو بن معدي كرب، ونسبت لامرئ القيس بن عانس.
وللسبب المتقدم وقع الخلط في عدد ابيات الشعر، فقد زاد بعض الرواة في قصيدة شاعر، بينما نقص رواة آخرون عدد أبياتها، وقد يدخلون في القصيدة ما ليس منها بسبب أختلاط الشعر على الراوية، وما كان هذا ليقع لو ورد الشعر المنسوب لأفنون التغلبي:
بروايات مختلفة، كما قرئت بعض الفاظه بأوجه مختلفة من اوجه الإعراب، وما كان ليقع هذا الاختلاف لو كان الشعر قد ورد مدوناً أولاً ومشكولاً ثانياً، فلما جاء رواية بالألسن وقع فيه هذا الاختلاف. ونجد العلماء يغلط بعضهم بعضاً في اعراب ألفاظ الشعر، تتغير معانيه بقراءتها بأوجه متعددة من الاعراب، كما غلط بعضهم بعضاً وهاجم بعضهم بعضاً هجوماً عنيفاً خرج على حدود الادب واللياقة بسبب الاعجام، كما في "تعتر" و "تعنز" في بيت الحارث بن الحلزة:
ونجد علماء الشعر والادب يروون شعر شاعر بصور متباينة في كتبهم، فتجد "الجاحظ" مثلاً، يروي أبيات شعر لشاعر، ثم يرويها بشكل يختلف عما ذكره لذلك الشاعر في موضع آخر من كتابه، وذلك أما سهواً، وإما بأختلاف رواية، واما من وقوع الزلل على اللسان. وتجد وقوع مثل ذلك في كتب اللغة، فقد ذكر "ابن منظور" بيتاً للأعشى:
ثم ذكره بعد سطرين على هذه الصورة:
وقد يقع ذلك عن تعمد، بسبب الاستشهاد في تأييد مسألة نحوية أو لغوية. فقد روي أن سائلاً سأل "أبا عمرو بن العلاء" عن جمع يد من الإنسان، فقال: أيد، وأنكر أن تكون الأيادي إلا في النعم، وقال "الاخفش": "أما إنها في علمه، غير أنها لم تحضره، ثم أنشد بيت "عدي بن زيد العبادي":
بينما يروي: