مرایا للالتقاء و الارتقاء بین الأدبین العربی و الفارسی

حسین جمعة

نسخه متنی -صفحه : 65/ 2
نمايش فراداده

دراسة ? لم يعد خافياً على كثير من الباحثين، ولا سيما في الدراسات الشرقية أن الالتقاء الحضاري التاريخي الفكري والفلسفي والديني والاجتماعي والأدبي واللغوي والفني والمعماري ... قديم قدم الزمان والوجود بين الشعبين العربي والإيراني بحكم التجاور في المكان، والتشابه في الطباع والعادات ـ غالباً ـ. وقد شهد مطلع القرن العشرين ـ خاصة ـ حركة تأليف نشطة في هذا الشأن؛ سبق إليها المستشرقون؛ ثم واكبهم عدد غير قليل من العرب والإيرانيين. ولا مراء في أن ما تشهده إيران ـ اليوم ـ بعد مرور ربع قَرْن على قيام الثورة الإسلامية فيها بقيادة الإمام الخميني في (11/2/1979م) يؤكد عظمة الارتقاء في التفاعل الحضاري بين الشعبين العربي والإيراني؛ وهو تفاعل ينبثق من جوهر العقيدة الإسلامية الواحدة لهما، ويعززه تاريخهما المشترك. فالثورة الإسلامية الإيرانية التي حملت هموم المستضعفين في الأرض دعت بكل صدق وقوة إلى تدعيم أواصر الرحم والقربى الدينية والاجتماعية والثقافية بين الشعبين بعد أن ابتليت بعوامل التمزيق والتفريق وزرع الضَّغائن في النفوس التي قام بها الاستعمار الأوربي من قبل؛ ويمارسها بكل وحشية وعنف الأميركيون والصهاينة الذين ورثوا ـ اليوم ـ تركة ذلك الاستعمار. إنهم يزرعون بذور الفِتْنة والانشقاق بين أبناء الشعبين العربي والإيراني مستغلين ضَعف بعض النفوس؛ ومرضها بمفاهيم قومية تعصبية. ولعل الأحداث المتسارعة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين أكدت مدى الأخطار الجسيمة التي تحيط بكلا الشعبين، على حين تؤكد الأقدار دعوة أبنائهما إلى بناء معارفهم وحياتهم على منهج واحد، لأن المصير بينهما مشترك. ومن هنا تصبح مهمة المثقفين والأدباء مهمة كبرى ومستمرة في تحمّل أعباء النُّهوض الحضاري المشترك لأبناء الشعبين العربي والإيراني... ومن ثم يصبح الخوض في البحث عن القواسم المشتركة بينهما ذا أثر كبير في زيادة التقارب ثم التمازج الحضاري لأبناء الأمة الإسلامية الواحدة. فتجليات الالتقاء الحضاري الفكري والاجتماعي والديني تعد في الظاهرة الأدبية ذات سموّ خاص في العاطفة والفكر، لأن الأدب يجسِّد المفخرة الجميلة لعوامل الالتقاء والارتقاء... إننا نرى أن ما جمعه الله بين الشعبين العربي والإيراني لا يمكن لقوى الاستعمار والهيمنة في العالم أن تفرقه وبيد أن علينا إبراز هذا الجمع وذلك الالتقاء لتعزيز فاعلية كل فرد منّا؛ والارتقاء بحيويته الفكرية والتاريخية... وبناء على ذلك كله كان اختيارنا للأدبين العربي والفارسي بدءاً من العصر الجاهلي حتى القرن السادس الهجري... فقد أثبت هذا الأدب عمق الاتصال الروحي بين الشعبين؛ وكأنهما وجهان لعُمْلة واحدة. إنَّه ـ وحدهُ ـ قادر على انتشال الهمم من الفتور والتكاسل والتواكل، وتدعيم مبدأ الاستلهام والإبداع للوصول إلى حالة الخَلقْ الفكري والأدبي المُوَحَّد... فيما لو استطعنا ، نحن الأدباء ـ إعادة ربط الجسور الثقافية والاجتماعية بين الشعبين... لهذا استحق الكتاب اسم ((مرايا للالتقاء والارتقاء بين الأدبين العربي والفارسي)). ولمّا كانت هذه المرايا واسعة الأبعاد متعددة الوجوه كان علينا أن نعتمد منهج الاختيار في إطار التوثيق التاريخي الموضوعي؛ من القديم إلى ما بعده؛ ومن العام إلى الخاص. فاخترنا المرحلة الزمنية الممتدة من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي؛ وما تجاوزناها إلا إذا اقتضى البحث ذلك، واخترنا بعض الظواهر الناصعة فيها، فضلاً عن تمثيلها ببعض الشعراء. ومن ثم اعتمدنا منهجاً متقارباً في تحليل مرايا الالتقاء والارتقاء مما اخترناه فكنا نقدّم لكل فصل من فصول الكتاب الأربعة بتوطئة تبيّن ماهية الموضوع المعالج؛ وحدوده وأبعاده، وفق ما يقتضيه الهدف المرسوم لـه دون تفصيل أو إطناب، علماً أن الإيجاز والتكثيف مبدأ لمادة الكتاب كله. ثم يُتْبع كل فصل بحواشيه ومراجعه ماعدا الفصل الأول الذي أثبتنا حواشيه ـ فقط ـ أسفل كل صفحة، وهو المنهج الذي فرض علينا أن نثبت نتائج كل فصل في نهايته؛ لطبيعة كل موضوع فيه. وبناء على ما تقدم خصصنا الفصل الأول لبعض القواسم المشتركة في الأدبين العربي والفارسي، مستلهمين أبعادها وحدودها؛ ومبرزين أعظم مصدر مشترك بينهما وهو القرآن الكريم؛ فضلاً عن السُّنَّة المطهَّرة والتاريخ المشترك.