بمعنى واحد, فالمصدر تسبيح والاسم سبحان يقوم مقام المصدر. والتسبيح^(3): تنزيه الله تعالى اعتقادا وقولا وعملا عما لا يليق بجنابه, من سبح في الأرض والماء, إذا ذهب وأبعد فيهما, وحيث أسند هاهنا إلى غير العقلاء أيضا, فإن ما في السموات والأرض يعم جميع ما فيهما, سواء كان مستقرا فيهما أو جزءا منهما , أريد به معنى عام مجازى شامل لما نطق به لسان المقال, كتسبيح الملائكة والمؤمنين من الثقلين, ولسان الحال كتسبيح غيرهم, فإن كل فرد من افراد الموجودات يدل بإمكانه وحدوثه على الصانع القديم, الواجب الوجود ,المتصف بالكمال, المنزه عن النقصان. والمراد بالتسبيح هنا: تنزيه الله - تعالى -عن كل مالا يليق بجلاله وكماله. واللام في لله، إما أن تكون بمنزلة اللام في: نصحت لزيد، يقال: سبح الله، كما يقال؛ نصحت زيداً، فجيء باللام لتقوية وصول الفعل إلى المفعول؛ وإما أن تكون لام التعليل، أي أحدث التسبيح لأجل الله، أي لوجهه خالصاً. {يحيي ويميت}: جملة مستقلة لا موضع لها من الإعراب. واللام إمامزيده للتأكيد, كما في نصحت له , وشكرت له, أو للتعليل, أى فعل التسبيح, لأجل الله تعالى وخالصا لوجهه. ومجيئه في بعض الفواتح ماضيا, وفي البعض مضارعا, للإيذان بتحققه في جميع الأوقات, وفيه تنبيه على أن حق من شانه التسبيح الاختياري أن يسبحه تعالى في جميع أوقاته, كما عليه الملأ الأعلى,{ حيث يسبحون الليل والنهار لا يفترون}. وقوله تعالى:{ ما في السماوات والأرض}" أي وما في الأرض, ثم حذفت( ما) على أنها نكرة موصوفة, قامت الصفة مقامها, وهي( في الأرض ) ولا يحسن أن تكون( ما) بمعنى الذي, وتحذف, لأن الصلة لا تقوم مقام الموصوف عند البصريين, وتقوم الصفة مقام الموصوف عند الجميع, فحمله على الإجماع أولى من حملة على الاختلاف"^ (1) {وهو العزيز}أي: القادر الغالب الذي لا يمانعه ولا ينازعه شيء . { الحكيم }الذى لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة. والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله مشعر بعلة الحكم. و قوله تعالى :{ له ملك السموات والأرض} أى التصرف الكلى فيهما وفيما فيهما من الموجودات من حيث الإيجاد والإعدام وسائر التصرفات مما نعلمه ومالا نعلمه. وقوله تعالى:{ يحيى ويميت }^(2) " استئناف مبين لبعض أحكام الملك والتصرف و يجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور, والعامل الاستقرار". { وهو على كل شيء } من الأشياء التي من جملتها ما ذكر من الإحياء والإماتة { قدير} أي مبالغ في القدرة . المعنى الإجمالي للنص الكريم يخبر الله- تبارك و تعالى - فى مستهل هذه السورة الكريمة, أن الخلق كله ما في السماوات ومافي الأرض , من الحيوانات والنباتات,مما يندرج تحت هذا العموم,يسبح له سبحانه وتعالى, وآيات القرآن الكريم كثيرة وصريحة في تقرير هذه الحقيقة الكونية : قال تعالى { ألم تر أن الله يسبح له ما في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه } وقوله تعالى : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس } وقوله: { وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } وقد جاء في القرآن الكريم-أيضا- قوله تعالى : ( يا جبال أوبي معه والطير ) فإذا الجبال كالطير تؤوب مع داود ! وقد ثبت عن المعصوم- صلى الله عليه وسلم- تسليم الحجر عليه. فعن جابر بن سمرة- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :{ إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت , إني لأعرفه الآن}^(1) فكل شيء في السماوات والأرض قد سبح لله - عز وجل - , مالك السماوات والأرض , لأنه القادر الغالب, الذى لا يمانعه ولا ينازعه شيء ,الحكيم الذى يضع الأمورفى مواضعها, فلا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة, الذي لا شريك له في ملكه , فهو تسبيح المملوك لمالكه المتفرد ، الذي يحيي ويميت ، فيخلق الحياة ويخلق الموت . ويقدر الحياة لكل حي ويقدر له الموت ؛ فلا يكون إلا قدره الذي قضاه , ( وهو على كل شيء قدير ) إجمالا بغير حد ولا قيد , فالمشيئة المطلقة تمضي بغير حد ولا قيد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا عن حقيقة هذا التسبيح, وهل هو بلسان المقال, أم بلسان الحال؟ وللجواب عن هذا السؤال يقول العلامة القرطبي: فى تفسيره لآية سورة الإسراء^(2)