وذكر الخطَّابِي (ت 388هـ) أن الغريب
- من الكلام
- يقال به على وجهين :
أحدهما :
أن يُراد به :
بعيد المعنى، غامضه، لا يتناوله الفهم إلا عن بُعد، ومعاناة فكر. والآخر :
أن يراد به :
كلام من بَعُدت به الدار، من شواذِّ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم :
استغربناها ! وإنما هي كلام القوم وبيانهم . ويزيد الزجّاجي (ت377هـ) أمر الغريب اللغوي وضوحاً، حين يُعرِّفه بأنه :
" ما قل استماعه من اللغة، ولم يَدُرْ في أفواه العامّة، كما دار في أفواه الخاصّة، كقولهم :
صَمَكْتُ الرجُل، أي :
لَكَمْتُه، وقولهم للشمس :
يُوحُ" ثم ينبهنا إلى أنه " ليس كل العرب يعرفون اللغة كلها، غريبها وواضحها، ومستعملها وشاذها، بل هم
- في ذلك
- طبقات، يتفاضلون فيها، كما أنه :
ليس كلهم يقول الشعر، ويعرف الأنساب كلها، وإنما هو في بعض دون بعض" ! وقريب من هذا :
ما ذهب إليه ابن الأثير (ت606هـ) حين قسَّم الألفاظ المفردة إلى قسمين :
أحدهما :
خاص، والآخر :
عام . أما العام :
فهو ما يشترك في معرفته، جمهور أهل اللسان العربي، مما يدور بينهم في الخطاب، فهم
- في معرفته
- سواء، أو قريب من السواء ؛ تناقلوه فيما بينهم، وتداولوه، وتلقفوه من حال الصغر
- لضرورة التفاهم
- وتعلموه . وأما الخاص :
فهو ما ورد فيه من الألفاظ اللغوية، والكلمات الغريبة الحوشيّة، التي لا يعرفها إلا من عُني بها، وحافظ عليها، واستخرجها من مظانها، وقليل ما هم ! وذهب ابن الهائم (ت 815هـ ) إلى " أن الغريب يقابله المشهور، وهما أمران نِسبِيَّان؛ فربَّ لفظ يكون غريباً عند شخص ،مشهورا عند آخر" . الغريب القرآني :
أما الغريب في القرآن الكريم :
فهو الألفاظ القرآنية، التي يُبْهَم معناها على القارئ،والمفسر ؛وتحتاج إلى توضيح معانيها، بما جاء في لغة العرب، وكلامهم . وذلك :
لأن ألفاظ القرآن
- أو لغاته، كما يقول أبو حيان الأندلسي (ت745هـ)
- "على قسمين :
قسم :
يكاد يشترك في معناه، عامة المستعربة ،وخاصتهم، كمدلول السماء، والأرض، وفوق، وتحت . وقسم :
يختص بمعرفته، من له اطلاع وتبحُّر في اللغة العربية، وهو الذي صَنّف أكثر الناس فيه، وسمَّوه :
غريب القرآن " . أهمية معرفة غريب القرآن :
ومعرفة غريب القرآن
- بالنسبة للمفسر
من أهم أدواته ؛ لأنها من أوائل المُعَاوِن، لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللَّبِنِ، في كونه من أول المُعاوِن، في بناء ما يريد أن يبنيَه . وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع! فألفاظ القرآن :
هي لُبُّ كلام العرب، وزُبْدتُه، وكرائمُه، وعليها اعتماد الفقهاء، والحُكام في أحكامهم، وحِكَمِهم، وإليها مفزع حُذّاق الشعر، والبلغاء، في نظمهم وشعرهم، وما عداها
- وعدا الألفاظ المتفرعات عنها، والمشتقات منها
- هو
- بالإضافة إليها
- كالقشور والنوى، بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن، بالإضافة إلى لُبوب الحنطة ! ومن أجل ذلك :
فقد نبه الزركشي (ت794هـ) إلى ضرورة معرفة الغريب، والإحاطة باللغة، بالنسبة للمفسر، وساق
- في هذا المجال
- قول الإمام مالك بن أنس (ت179هـ ) :
" لا أُوتَى برجل يفسّر كتاب الله، غيرَ عالم بلغة العرب، إلا جعلته نكالا" ثم قولَ مجاهد (ت104هـ) :
" لا يحل لأحد
- يُؤمن بالله واليوم الآخر
- أن يتكلم في كتاب الله، إذا لم يكن عالماً بلغات العرب " . كما ذكر (الزركشي) :
أن الكاشف عن معاني القرآن، يحتاج إلى معرفة علم اللغة :
اسما، وفعلاً، وحرفاً، فالحروف
- لقلتها
- تكلم النحاة على معانيها، وأما الأسماء والأفعال :
فيؤخذ ذلك من كتب اللغة . تفاوت نظرة المفسرين إلى الغريب :
ولم ينظر علماء اللغة،والمهتمون بأمر غريب القرآن،إلى ذلك الغريب،نظرة واحدة،بل تفاوتت نظراتهم إليه، فما يعده بعضهم غريباً،قد يكون عند غيره:
غير غريب! ولذلك :
لم تتفق كتب الغريب، فيما أوردته من ألفاظه ؛ فبعضها :
يذكر ألفاظا على أنها من الغريب، وبعضها :
يُهمل بعض هذه الألفاظ، ويذكر ألفاظاً أخرى، هي
- في رأي مصنفي تلك الكتب
- من الغريب! وهذا مما يتفق مع ما قاله ابن الهائم :
" لا شك أن الغريب يقابله المشهور، وهما أمران نسبيان ؛ فربّ لفظ يكون غريباً عند شخص، مشهوراً عند آخر " . وقد ظهر ذلك واضحاً، في الكتب الأوائل، التي ألفت في الغريب ؛ حيث كان صغر حجمها،