تطاول ليلك بالإثمد ونام الخلى ولم ترقد وبات وباتت له ليلة كليلة ذي العائر الأرمد وذلك من نبأ جاءني وخبرته عن أبي الأسود يخاطب في البيت الأول، وانصرف إلى الأخبار في البيت الثاني وانصرف عن الأخبار إلى التكلم في البيت الثالث على الترتيب. وأما التمام وهو الذي سماه الحاتمي التميم وسماه ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود المتكلم فيتممه وشرح حده بأنه الكلمة التي إذا طرحت من الكلام نقص حسن معناه ومبالغته مع أن لفظه يوهم بأنه تام وهو على ضربين:ضرب في المعاني ضرب في الألفاظ فالذي في المعاني هو تميم المعنى والذي في الألفاظ هو تميم الأوزان، والأول هو الذي قدم حده ومثاله قوله تعالى: "ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة" فقوله تعالى: "ومن ذكر أو أنثى" "تميم وقوله" وهو مؤمن" تميم ثان في غاية البلاغة، ومن هذا القسم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة من غير الفريضة ابتنى الله له بيتاً في الجنة" فوقع التمييم في هذا الحديث في ثلاثة مواضع قوله عليه السلام:مسلم، ولله ومن غير الفريضة ومن أناشيد قدامة على هذا القسم قول الشاعر: أناس إذا لم يقبل الحق منهم ويعطوه عادوا بالسيوف القةاضب وأما الذي في الألفاظ فهو الذي يؤتى به لإقامة الوزن بحيث لو طرحت الكلمة استقل معنى البيت بدونها، وهو على ضربين: أحدهما مجيء الكلمة لا تفيد غير إقامة الوزن فقط، والثاني مجيئها تفيد مع إقامة الوزن نوعاً من الحسن، فالأول من العيوب والثاني من المحاسن، قال: والكلام هنا في الثاني، ومثاله قول المتنبي: وخفوق قلب لو رأيت لهيبه يا جنتي لظننت فيه جهنما فإنه جاء بقوله يا جنتي لإقامة الوزن، وقصد بها دون غيرها مما يسد مسدها أن يكون بينها وبين قافية البيت مطابقة لا تحصل بغيرها. وأما الاستطراد - وهذه التسمية ذكر الحاتمي في حلية المحاضرة أنه نقلها عن البحتري، وقيل: أن البحتري نقلها عن أبي تمام، وسماه ابن المعتر الخروج من معنى إلى معنى، وفسره بأن قال: هو أن يكون المتكلم في معنى فيخرج منه بطريق التشبيه أو الشرط أو الإخبار أو غير ذلك إلى معنى آخر يتضمن مدحاً أو قدحاً أو وصفاً وغالب وقوعه في الهجاء، ولا بد من ذكر المستطرد به باسمه بشرط أن لا يكون تقدم له ذكر. فمن أول ما ورد في ذلك من النظم قول السموءل بن عادياء: وإنا لقوم ما نرى القتل سبةً إذا ما رأته عامر وسلول ومنه قول حسان: إن كنت كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجاً الحارث بن هاشم ترك الأحبة لم يقاتل دونهم ونجا برأس طمرة ولجام وقول أبي تمام في وصف حافر الفرس بالصلابة: أيقنت إن لم تثبت أن حافره من صخر تدمر أو من وجه عثمان ومن أحسن ما قيل في ذلك قول ابن الزمكدم أربعة استطرادات متوالية: وليل كوجه البرقعيدي ظلمةً وبرد أغانيه وطول قرونه سريت ونومي فيه نوم مشرد كعقل سليمان بن فهد ودينه على أولق فيه التفات كأنه أبو صالح في خبطه وجنونه إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه سنا وجه قرواش وضوء جبينه وقول البحتري في الفرس أيضاً: ما إن يعاف قذىً ولو أوردته يوماً خلائق حمدويه الأحول ومما جمع المدح والهجاء قول بكر بن النطاح: فتى شقيت أمواله بنواله كما شقيت بكر بأرماح تغلب ومما جاء به على وجه المجون قول بعضهم: