نهایة الأرب فی فنون الأدب

شهاب الدین النویری

جلد 27 -صفحه : 94/ 3
نمايش فراداده

الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين: سلامٌ عليكم، فإني أحمد الله إليكم - فلم يقل أحد شيئاً، فقال: اكفف، ثم قال: يا عبيد العصا، يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا يرد راد منكم السلام. هذا أدب ابن نهية، أدبكم به، والله لأودبنكم غير هذا الأدب، أو لتستقيمن. ثم قال، للقاريء: اقرأ. فلما بلغ سلام عليكم قالوا بأجمعهم: وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله. ثم نزل ودخل منزلة، ودعا العرفاء وقال: ألحقوا الناس بالمهلب، وائتوني بالبراءات بموافاتهم، ولا تغلقن أبواب الجسر ليلاً ولا نهاراً حتى تنقضي هذه المدة. قال: فلما كان في اليوم الثالث سمع تكبيراً في السوق، فخرج وجلس على المنبر، فقال: يأهل العراق، يأهل الشقاق والنفاق ومساويء الأخلاق، إني سمعت تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به وجه الله، ولكنه التكبير الذي يراد به لترهيب، وقد عرفت أنها عجاجةٌ تحتها قصفٌ، يا بني اللكيعة، وعبيد العصا، وأبناء الأيامى، ألا يربع رجل منكم على ظلعه ويحسن حقن دمه، ويعرف موضع قدمه، فأقسم بالله لأوشك أن أوقع بكم وقعةً تكون نكالاً لما قبلها وأدباً لما بعدها. فقام إليه عمير بن ضابيء الحنظلي التميمي، فقال: أصلح الله الأمير، أنا في هذا البعث وأنا شيخٌ كبير عليل، وابني هذا هو أقوى مني على الأسفار أفتقبله مني بديلا ؟ فقال: نفعل. ثم قال: ومن أنت ؟ قال: أنا عمير بن ضابيء. قال: أسمعت كلامنا بالأمس ! قال: نعم. قال: ألست الذي غزا عثمان بن عفان ؟ قال: بلى. قال: يا عدو الله، أفلا بعثت بديلا إلى أمير المؤمنين، وما حملك على ذلك ؟ قال: إنه حبس أبي، وكان شيخاً كبيراً. قال: أولست القائل: هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله إني لأحسب أن في قتلك صلاح المصرين، وأمر به فضربت رقبته، وأنهب ماله، وأمر منادياً فنادى: ألا إن عمير بن ضابيء أتى بعد ثالثة، وكان قد سمع النداء، فأمرنا بقتله، ألا وإن ذمةٍ الله بريئةٌ ممن بات الليلة من جند المهلب. فخرج الناس فازدحموا على الجسر، وخرج العرفاء إلى المهلب وهو برامهرمز، فأخذوا كتبه بالموافاة، فقال المهلب: قدم العراق اليوم رجل ذكر، اليوم فويل العدو. وقال: ولما قتل الحجاج عميراً لقى إبراهيم بن عامر الأسدي عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في السوق، فسأله عن الخبر، فقال: أقول لإبراهيم لمّا لقيته أرى الأمر أضحى منصبا متشعبا تجهّز فأسرع والحق الجيش لا أرى سوى الجيش إلا في المهالك مذهبا تخير فإما أن تزور ابن ضابيءٍ عميراً وإما أن تزور المهلّبا هما خطّتا خسف نجاؤك منهما ركوبك حولياً من الثلج أشهبا فحال ولو كانت خراسان دونه رآها مكان السّوق أو هي أقربا قال: وكان الحجاج أول من عاقب بالقتل على التخلف عن الوجه الذي يكتب إليه. قال الشعبي: كان الرجل إذا أخل بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم نزعت عمامته ويقام للناس، ويشهر أمره، فلما ولي مصعب قال: ما هذا بشيء، وأضاف إليه حلق الرؤوس واللحي، فلما ولي بشر بن مروان زاد فيه، فصار يرفع الرجل عن الأرض ويسمر في يديه مسماران في حائط، فربما مات، وربما خرق المسمار يده، فسلم. فلما ولي الحجاج قال: كلٌ هذا لعب، أضرب عنق من يخل بمكانه من الثغر. قال: وكان قدوم الحجاج في شهر رمضان، فوجه الحكم بن أيوب الثقفي على البصرة أميراً، وأمره أن يشتد على خالد بن عبد الله، فبلغ الخبر خالداً فخرج عن البصرة فنزل الجلحاء وشيعه أهل البصرة فقسم فيهم ألف ألف. وثوب أهل البصرة بالحجاج قال: ثم خرج الحجاج من الكوفة إلى البصرة، واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة. فلما قدم البصرة خطبهم بمثل خطبته بالكوفة، وتوعد من رآه منهم بعد ثالثة، ولم يلحق بالمهلب، فأتاه شريك بن عمرو اليشكري وكان به فتق، فقال: أصلح الله