وجهة النظر فی روایات الأصوات العربیة

محمد نجیب التلاوی

نسخه متنی -صفحه : 102/ 55
نمايش فراداده

3 ـ الصوت

ونقصد به الصوت الروائي من الداخل كدرجة ثالثة من درجات هذه الروايات المتداخلة، وسنفصل الحديث عنها في الجزء الخاص بالأصوات الروائية، والأصوات هنا جاءت مختلفة لتحقق اللاتجانس المقصود على مستويات عديدة داخل الرواية أهمها المواجهة بين أصوات السلطة ـ وأصوات الشعب لتعزز الروايات بذلك فكرة أن البطولة لفكرة روائية تحلقت حولها الأصوات كما سنرى….

وتعدد الرواة في هذه الرواية جعلنا نستقبل التعددية الصوتية بما يعمقها لا بما يضعفها، لأن كل راو قام بمهمة تختلف عن الآخر فالراوي المؤطر اختلفت مهمته عن صاحب المذكرات (فياسكونتي جانتي) ثم جاءت الأصوات بعمق داخلي تختلف عنهما، واستطاعوا جميعاً أن يعكسوا الوضعية الاجتماعية والسياسية.

إلا أن هذه الرواية بخاصة قد احتفظت بقدر من الوسائل خارج نطاق السرد وخارج مهام الرواة وكانت لهذه الوسائل أهمية كبرى وهي (النداءات/ الرسائل/ الفتوى…)، وهذه الصيغ قامت مقام الراوي بين الأصوات الروائية، ولأن هذه الصيغ والوسائل كانت تحمل معاني التحفيز كالقرارات والرسائل، والأوامر السلطانية… وهي التي كانت تدفع عجلة الأحداث. وتطور المواجهات والصراعات بين الأصوات في الرواية.

وإذا قدرنا لهذه الوسائل حقها، وأضفنا إليها ماقامت به الأصوات لأمكننا أن نقدر دور الراويين (الإيطالي بمذكراته والراوي المؤطر) ولأمكننا أن نكتشف أن دورهما لم يكن هو الدور المطلق للراوي في الروايات العادية وإنما كان دورهما محجماً بفعل الأصوات من ناحية وللطبيعة التركيبية الخاصة بهذه الرواية من ناحية أخرى.

وفي رواية (الكهف السحري) نلتقي بالراوي المتلبس بالمؤلف وهو يمثل (شاهد عيان) وهو عارف لكل شيء، لكن هذه المعرفة لم تطلق يده في الرواية إطلاقاً كما نجده في الرواية التقليدية، وإنما وجدت الأصوات الروائية فزاحمت وجوده وغيبته وتولت هي البعد الداخلي والنفسي للأصوات تاركة للراوي الخارجي الوصف الخارجي والإخبار العام الذي يحرك مسار الرواية ومن ثم يفرض ظهور الأصوات بترتيب مقصود.

وأول مهام الراوي أنه احتجز لنفسه الفصل الأول ممثلاً للصفر الإبداعي ليحدد لنا ملامح التجربة الروائية ومكانها وزمانها وأصواتها، وتحدث عن الصوت المحوري (إبراهيم) بضمير (هو) ليثبت وجود مسافة بينه وبين الصوت ومن ثم بين الأصوات فهو مراقب فيخبر ويصف.. وركز على قلق إبراهيم في انتظار محبوبته (.. جلس متضائلاً.. تائهاً في كرسي فوتيه… تأمل صالة البيت الواسعة…) أشعل سيجارة.. تأمل الباب المغلق. أخذ ينقل بصره المحير بين الباب المغلق والدخان الصاعد، تعلقت عيناه ببندول ساعة الحائط..).. ويقدم لنا الراوي الصوت الأول (إبراهيم) وهو رجل أربعيني، قد أضفت عليه الأربعينية وقاراً واتزاناً انعكسا على ردود أفعاله…

وبعد أن قام الراوي بمهمة الصفر الإبداعي أسلمنا بدوره إلى الأصوات فكان صوت إبراهيم فالوالد فالوالدة… وأخيراً صوت كريمة. إلا أن الراوي لم يبتعد عن الأصوات ـ كما هو متوقع ـ وإنما وجدناه يتدخل مع الصوت بدرجة التباس لإلغاء المسافة بينه وبين الصوت لتحويل الأحداث من الماضي التقريري إلى الترهين السردي … وتحولت الأصوات حول إبراهيم إلى مداد للاسترجاع لمزيد من الإخبار عن (إبراهيم) الذي احتل مركزية مهمة بحجمه الروائي كماً وكيفاً، وهو أمر قلل من أهمية الأصوات الأخرى التي لم يزد دورها عن الإخبار الخارجي بكل مايتصل بإبراهيم من النشأة حتى الاعتقال.. وتركوا لإبراهيم مهمة البعد الداخلي والحوار النفسي.

وعاد الراوي ليستكمل مالم تقدمه الأصوات وهو الجزء الخاص عن الجامعة ليعرفنا بحبيبة إبراهيم الأولى (عبير)، وليعرفنا بمن وشى به (طارق) وهو زميله في الجامعة وقد تسبب في اعتقال إبراهيم. وهنا أكثر الراوي من الإخبار وقلل من الوصف… والسؤال هنا لماذا لم يجعل الروائي هذه المهمة لصوت (عبير) وهي شخصية جديرة بأن تستقل بصوت مهم بين الأصوات، ولو ظهرت لقلصت دور الراوي ولكان خيراً لها وللرواية كرواية أصوت.