العلم وفضله) أن سعيد بن أبي عروبة قال:
"من لم يسمع الاختلاف فلا تعدوه عالماً. " وروى (عثمان بن عطاء) عن أبيه قال:
"لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالماً باختلاف الناس، فإنه إن لم يكن كذلك ردّ من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه ". بداية، لا أقصد بالكتابة آلية رسم الحروف، ولا بالقراءة آلية لفظ تلك الرسوم، فذلك من شأن تلاميذ المرحلة التعليمية الأولى. الكتابة التي أقصدها هي فعالية إنتاج النصوص، ومن ثم تداولها وأقصد بالقراءة فعالية تلقي تلك النصوص، والتعامل معها، ومن ثم التورط في تفسيرها وتأويلها وإعادة إنتاجها. وأزعم أن علاقة ما تقوم بين الفعاليتين السابقتين، لأنني أعتقد أن فعالية القراءة يمكن أن ترتقي إلى درجة المضاهاة والندّية مع فعالية الكتابة، الأمر الذي سيسلب النص، والآراء السائدة حوله، الكثير من الهيمنة، وينزله عن عرش القداسة، إن كان لا يستحقها، ويهبط به من فضاء المطلق إلى خانة التاريخي، مع الوعي بما يترتب عن ذلك، باعتبار النص، أي نص، لم يقل الحقيقة كلها دفعة واحدة، أو بالأحرى، لم يظهرها مرة واحدة، وإنما قصاراه أن يسمح بتمرير بعض تجلياتها، وأن يقدم بعض الإرهاصات المتعلقة بها
- بعد ممانعة وعناد
- بما يتساوق مع الشروط الموضوعية المتاحة، وبما يتناسب مع معطيات مرحلة زمنية معينة (اجتماعياً/ اقتصادياً/ سياسياً/ معرفياً/ أيديولوجياً/ .). ووضع النص في خانة التاريخي تعني، عكس ما هو شائع، رفض إلغاء الزمان الذي يفصل بيننا وبين منتج النص، طال هذا الزمان أم قصر، مع ما يحتدم فيه من إنجازات واكتشافات وتجارب، فنحن نرى في نص أنجز قبل خمسة قرون مثلاً، ما لم يكن بمقدور قارئ معاصر لإنتاجه أن يراه، وما لم يكن بمقدور قارئ جاء بعد قرن أو قرنين. نتيجة تبدل الشروط التي تجري فيها عملية القراءة، ونتيجة التراكم المعرفي الذي يجعل القراءة الجديدة تتسلح بأدوات معرفية أو تقنية أكثر نضجاً وتقدماً. مع ملاحظة هامة لا بد من ذكرها وهي:
إنني لاألغي، ولا يجوز أن ألغي، إمكانية قراءات ذكية، قد تسبق عصرها، وتستطيع أن ترى في النص ما لم يستطيع معاصروها أن يروه، ولكن تلك القراءات تبقى أشبه بالجزر المنعزلة، وغالباً ما تكون مدانة، ومثار ريبة وتشكك. كما أود أن أسوق ملاحظة أخرى، وهي إنني لا أقصد نصاً معيناً، وما أقوله ينطبق على أي نص سمته العامة أنه نص أدبي، أي حمّال أوجه. فالقراءة التي نحن بصددها، لا تكتفي بالاستسلام للنص، وللآراء المتداولة حوله، بل هي قراءة تحاول أن تعيد للنص بكوريته وعذريته، وأن تعقد عليه آمالاً أكبر، حين تنأى به عن الجمود والفقر، وتحرره من رؤية عصر بعينه، وجيل بعينه، بل وفرد بعينه أي تطمح إلى تحريره من سطوة الأسماء المشهورة التي سبق وأعطت رأياً فيه، وتدعوه إلى فضاءات أرحب وهذه القراءة المقترحة تحترم القارئ باعتباره مالكاً للنص وليس ملكاً له أو للآراء السائدة حوله؛ لذلك فهي تدعو القارئ إلى تتبع هذه النص، عبر سيرورته، وتتبع حياة الحقيقة التي يحملها، وكيفية التعاطي معها داخل المجتمع بشرائحه المختلفة، ومحاولة اكتشاف أصابع السياسة والأيديولوجيا التي تحكمت بإنتاجه وتداوله وطريقة التعامل معه الأمر الذي سيساعد في وضع اليد على مجمل القواعد التي تتحكم في إنتاج النصوص، ومن ثم الاعتراف بها، واعتمادها، والسماح بتداولها وتأويلها أو رفضها ونبذها ومحاربتها، مما يجعلها رهينة القلق والخوف، منها وعليها، ويبقيها منفية خارج نطاق التداول العام. وهذه القراءة المركّبة المقترحة، التي تتمتع بالفعالية الإيجابية الفائقة، هي عملية (قراءة/ كتابة) معاً، حيث يكتب النص من جديد مع كل قارئ، بل مع كل قراءة، مما يؤدي إلى الإفلات من إسار الدوران الأبله في فلك النص ذاته، وتجاوز شرح وتفسير مفرداته، وتجاوز تأويلات السابقين له لتصل، كما سبق وذكرت، إلى آلية إنتاج النصوص، وفهم آلية تداولها ورواجها، أو تحريمها وإقصائها ونبذها. وتحاول هذه القراءة المركبة كذلك أن تحرر النص من الشرنقة التي حوصر داخلها، ليستأنف عملية الاستجابة للمستجدات. أي إنها عملية تهدف إلى إعادة إنتاج النص في ضوء الوضعية المشخصة للمجتمع، وهي وضعية متحركة بطبيعتها، وفي ضوء المستجدات المعرفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذه القراءة المقترحة لا بد أن تتمتع بالمشروعية الاجتماعية، وبالمصداقية المعرفية في آن معاً وهي تنظر للنص باعتباره مكمناً للحقيقة، وحاملاً لها، ومجالاً لسجال الإرادات حولها. إذ إن هذه