سلام فی المشروع الصهیونی

زبیر سلطان قدوری

نسخه متنی -صفحه : 134/ 3
نمايش فراداده

والشعب الفلسطيني يعيش مأساة ما زرع الغرب، وما زال يرعي هذا الكيان أشد مما يرعى حتى رعاياه. ولا يقيم أي وزن لما تخلفه هذه السياسة من جرائم ونكبات شعوب المنطقة، بل سخر كل ما لديه من وسائل الدمار من الأسلحة التقليدية، وحتى الذرية وأسلحة التدمير الشامل إلا وحقن بها هذا الكيان، الذي غدا مصدر رعب ومركز تهديد مستمر لشعوب المنطقة والعالم، وبؤرة توتر عالمي يهدد بانفجار حرب لا حدود لنيرانها، ومرضاً سرطانياً فتاكاً للدول العربية، لتخريب كل خططها التنموية الشمولية، الهادفة إلى إخراجها من واقع المتخلف إلى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة. وتحول تسلح الكيان الصهيوني إلى مبدد لثروات الأمة العربية، فبدلاً من أن تخصص الثروات والناتج القومي لرفاهية الشعوب، ترصد لشراء الأسلحة، وبشكل مستمر، من أجل الدفاع عن الأراضي العربية المهددة من قبل الكيان بالاغتصاب والاستيلاء، وطرد ساكنيها من بيوتهم ومزارعهم وأماكن عملهم. ولم يكتف الغرب الأوربي والأمريكي بتقديم السلاح للكيان الصهيوني فقط، بل المال الوفير عبر المساعدات الضخمة والقروض وكلها من جيوب دافعي الضرائب. حتى غدا دخل الفرد الصهيوني في الكيان من أعلى معدلات الدخل في العالم. وسخر الغرب آلته الإعلامية لتغيير الحقائق، وتحويل الأكاذيب إلى حقائق، والأساطير إلى براهين علمية تاريخية، وأن يتحول القاتل إلى ضحية، والمناضل الذي يسعى لإعادة أرضه وكرامته إلى إرهابي متوحش. ويحلل الدم العربي، حتى لم تعد له أية قيمة إنسانية ولا قانونية، في حين يغدو الدم الصهيوني المعتدي إلى درجة التحريم المقدس. وهكذا أقدم الغرب على ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية، ولم يتوقف يوماً عن الاستمرار بالمشاركة بها، أو أن يراجع ذاته عما قام به بحق أبرياء، لم يقدموا يوماً على خطأ أضر بشعوبهم وأرضهم، بل بقي الراعي والحامي والأب لهذا الكيان السرطاني، الذي بات ينثر وباءه في جسد العالم كله. وما السلام الذي يطرحه الكيان الصهيوني إلا جزء من مشروعه المرعب والمدمر للشعوب ولأرضهم ولحقوقهم، فهو مبني على تدمير المشروع النهضوي العربي، وإلغاء الوجود القومي والتاريخي للأمة العربية. ظاهر مشروعه سلام، وباطنه الموت بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالات ومعان. وهذا الكتاب يسلط الضوء على سلام الموت، الذي تطرحه الحركة الصهيونية من خلال كيانها في فلسطين المحتلة. ويضع الكتاب صوراً عن هذا السلام، من خلال التجربة السلموية بين الكيان ومصر العربية. لعلنا نكون قد ساهمنا من خلاله في تبيان الحقيقة عن زيف هذا السلام. زبير سلطان قدوري الفصل الأول: الغــرب والصهيونــية التقى المشروعان الغربي والصهيوني لتوافق مصالحهما الاقتصادية والسياسية ضد المشروع القومي العربي، الذي نشأ منذ منتصف القرن التاسع عشر لتحقيق نهوض عربي، يسعى لتحقيق الاستقلال والوحدة والرقي الحضاري، وهذه الأهداف للمشروع القومي أدت إلى أن يتصادم مع المشروعين الغربي الاستعماري والصهيوني الاستيطاني، بسبب التباين والتغاير بينه وبين المشروعين الآخرين. وكان التصادم شمولياً عسكرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، وخلق صراعاً لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، وكان الصراع غير متوازن حتماً لاختلال القوة بين الطرفين. حيث تحالف المشروعان الغربي والصهيوني تحالفاً شيطانياً ضد العرب ومشروعهم النهضوي، وكانت كفة الغلبة لهما حتماً، لما يملكان من أسباب القوة بمختلف أنواعها وأشكالها، والتي لا تقاس حتماً، بما يملك المشروع العربي من قدرات ذاتية، ودعم خارجي ضعيف. وجاء هذا التحالف في الوقت الذي كان المشروع القومي العربي النهضوي، يبحث في لملمة القدرات القطرية الذاتية المتناحرة، ويسعى لإيجاد حلفاء له في العالم، من المتضررين من استغلال وهيمنة الاستعمار الغربي، ليشكل معهم قوة ردع ودفاع، لما يبيت الغرب من مصائب ونكبات له ولحلفائه في العالم. وتلاقي المشروع الغربي الاستعماري مع المشروع الصهيوني، المبني على مجموعة من المرتكزات والمصالح، منها مخططات استعمارية رسمت في بداية القرن العشرين، لنهب الثروات العربية والهيمنة الجيوسياسية على أهم مناطق المواصلات التجارية في العالم. إضافة إلى عوامل ثقافية روحية ومادية تاريخية، فقد كونت الثقافة الغربية المسيحية في عقل الإنسان الغربي، تصورات خيالية تحولت بمرور الزمن إلى حقائق في مكوناته الفكرية