3032 - الإرشاد: تولّى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) بأمره، وحملاه إلى الغريّ من
نجف الكوفة، فدفناه هناك وعفيا موضع قبره بوصيّة كانت منه إليهما في ذلك؛ لما كان يعلمه(عليه
السلام) من دولة بني اُميّة من بعده، واعتقادهم في عداوته، وما ينتهون إليه بسوء النيّات فيه من
قبيح الفعال والمقال بما تمكّنوا من ذلك، فلم يزل قبره(عليه السلام) مخفىً حتى دلّ عليه الصادق جعفر
بن محمّد (عليهما السلام) في الدولة العبّاسيّة، وزاره عند وروده إلى أبيجعفر [المنصور]-وهو
بالحيرة-فعرفته الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته عليه السلام وعلى ذرّيّته الطاهرين، وكان
سنّه(عليه السلام) يوم وفاته ثلاثاً وستّين سنة(61).
3033 - الإرشاد عن عبداللَّه بن خازم: خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة نتصيّد، فصرنا إلى ناحية
الغريّين والثويّة(62)، فرأينا ظِباءً فأرسلنا عليها الصقورة والكلاب، فجاولتها ساعةً ثمّ لجأت
الظِباء إلى أكَمَةٍ(63) فسقطت عليها فسقطت الصقورة ناحيةً ورجعت الكلاب، فعجب الرشيد من ذلك، ثمّ
إنّ الظباء هبطت من الأكمة فهطبت الصقورة والكلاب، فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الكلاب
والصقورة، ففعلت ذلك ثلاثاً، فقال الرشيد: اركضوا؛ فمن لقيتموه فأتوني به، فأتيناه بشيخ من بني
أسد، فقال له هارون: أخبرني ما هذه الأكَمة؟ قال: إن جعلت لي الأمان أخبرتك. قال: لك عهد اللَّه
وميثاقه أن لا أهيجك ولا اُؤذيك.
قال: حدّثني أبي عن آبائي أنّهم كانوا يقولون: إنّ في هذه الأكَمة قبر عليّ بن أبيطالب(عليه السلام)
، جعله اللَّه حرماً لا يأوي إليه شيء إلّا أمن. فنزل هارون فدعا بماء وتوضّأ وصلّى عند الأكَمة
وتمرّغ عليها وجعل يبكي، ثمّ انصرفنا(64).
*بحث حول موضع قبر الإمام*
قال العلّامة المجلسي(قدس سره): اعلم أنّه كان في بعض الأزمان بين المخالفين اختلاف في موضع قبره
الشريف(عليه السلام) ؛ فذهب جماعة من المخالفين إلى أنّه دُفن في رحبة مسجد الكوفة، وقيل: إنّه دفن
في قصر الإمارة، وقيل: إنّه أخرجه معه الحسن(عليه السلام) وحمله معه إلى المدينة ودفنه بالبقيع،
وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ، وقد أجمعت الشيعة على أنّه(عليه السلام) مدفون
بالغريّ في الموضع المعروف عند الخاصّ والعامّ، وهو عندهم من المتواترات، رووه خلفاً عن سلف إلى
أئمّة الدين صلوات اللَّه عليهم أجمعين، وكان السبب في هذا الاختلاف إخفاء قبره(عليه السلام) خوفاً
من الخوارج والمنافقين، وكان لا يعرف ذلك إلّا خاصّ الخاصّ من الشيعة، إلى أن ورد الصادق(عليه
السلام) الحيرة في زمن السفّاح فأظهره لشيعته، ومن هذا اليوم إلى الآن يزوره كافّة الشيعة في هذا
المكان، وقد كتب عبدالكريم بن أحمد ابن طاووس كتاباً في تعيين موضع قبره(عليه السلام) وردّ أقوال
المخالفين وسمّاه فرحة الغريّ، وذكر فيه أخباراً متواترة فرّقناها على الأبواب.
وقال عبدالحميد بن أبيالحديد في شرح نهجالبلاغة(65): قال أبوالفرج الأصفهاني: حدّثني أحمد بن
عيسى، عن الحسين بن نصر، عن زيد بن المعدّل، عن يحيى بن شعيب، عن أبيمخنف، عن فضل بن جريح، عن
الأسود الكندي والأجلح قالا: توفّي عليّ(عليه السلام) وهو ابن أربع وستّين سنة في عام أربعين من
الهجرة ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت في شهر رمضان، وولي غسله ابنه الحسن(عليه السلام)
وعبداللَّه بن العبّاس، وكفّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وصلّى عليه ابنه الحسن، فكبر عليه خمس
تكبيرات، ودفن في الرحبة ممّا يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح، هذه رواية أبيمخنف.
قال أبوالفرج: وحدّثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن العلوي، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبيعمير،
عن الحسن بن عليّ الخلال، عن جدّه قال: قلت للحسين بن عليّ (عليهما السلام) : أين دفنتم
أميرالمؤمنين(عليه السلام) ؟ قال: خرجنا به ليلاً من منزله حتى مررنا به على منزل الأشعث حتى خرجنا
به إلى الظَّهر بجنب الغريّ، قلت: وهذه الرواية هي الحقّ، وعليها العمل، وقد قلنا فيما تقدّم أن
أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب، وهذا القبر الذي بالغريّ هو الذي كان بنو عليّ
يزورونه قديماً وحديثاً ويقولون: هذا قبر أبينا، لا يشكّ أحد في ذلك منالشيعة ولا منغيرهم، أعني
بنيعليّ من ظهر الحسن والحسين وغيرهما من سلالته المتقدّمين منهم والمتأخّرين ما زاروا ولا وقفوا
إلّا على هذا القبر بعينه. وقد روى أبوالفرج عليّ بن عبدالرحمن الجوزي عن أبيالغنائم قال: