نظریة الکسب فی أفعال العباد

جعفر سبحانی تبریزی

نسخه متنی -صفحه : 33/ 5
نمايش فراداده

*( 5 )*
 *1*

*التوحيد في الخالقية عند أهل الحديث*

إنّ من الأُصول المسلَّمة عند أهل الحديث^(1) ـ وتبعهم الإمام الأشعري ـ انّ أفعال العباد مخلوقة
للّه سبحانه وليس للإنسان أيُّ دور في إيجاد أفعاله وإنشائها، بل كلّ ما في الكون من الجواهر
والأعراض مخلوق للّه سبحانه بالمباشرة، وليس بينه سبحانه و عالم الكون أيّ واسطة في الإيجاد
والإفاضة حتّى على نحو الظلِّية والتبعيَّة ولو بإذن اللّه سبحانه.
وبعبارة أُخرى: ليس في صفحة الوجود مؤثّر أصلي وتبعي، ذاتي وظلّي إلاّ اللّه سبحانه، وهو تعالى
اسمُه، قائم
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-سيوافيك انّه من الأُصول المسلّمة عند الجميع سوى المعتزلة وإنّما الاختلاف بين الإمامية
والأشاعرة في تفسير ذلك الأصل.
--------------------
*( 6 )*
مكان عامّة العلل التي تتصوّرها الفلاسفة والمتكلّمون ـ وأخصُّ بالذكر علماء الطبيعة ـ عللاً
مؤثّرة ولو بإذنه تعالى ولا يشذُّ منه فعل الإنسان فهو مخلوق للّه سبحانه، خلقاً مباشرياً ويعبّر
عنه بـ«خلق الأعمال» أو «خلق الأفعال».
قد انتقل الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (260ـ 324هـ) من الاعتزال ـ بعد ما قضى أربعة عقود من
عمره فيه ـ إلى منهج أهل السنّة وبالأخص منهج الإمام أحمد ابن حنبل (164ـ 241هـ)، وقد دخل جامع البصرة
وارتقى كرسياً ونادى بأعلى صوته: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي،
أنا فلان بن فلان; كنت أقول بخلق القرآن، وانّ اللّه لا تراه الأبصار، وانّ أفعال الشر أنا أفعلها;
وأنا تائب مقلع، معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم.^(1)
ولأجل إيقاف القارئ الكريم على حقيقة التوحيد في الخالقية بالمعنى الذي تبنّاه الإمام أحمد وبعده
الإمام الأشعري
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-وفيات الأعيان:3/285، فهرست ابن النديم:257.
--------------------
*( 7 )*
نأتي ببعض نصوصهم.
1. قال الشيخ الأشعري في الباب الثاني من كتاب«الإبانة» في عقائد أهل الحديث:
إنّه لا خالق إلاّ اللّه، وإنّ أعمال العبد مخلوقة للّه ومقدورة كما قال: (*وَاللّهُ خَلَقَكُمْ
وَما تعمَلُون*)^(1) . وانّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يُخْلَقون، كما قال سبحانه: (*هَلْ
مِنْ خالِق غَيرُ اللّه*)^(2).^(3)
2. وقال في «مقالات الإسلاميّين» عند نقل عقائد أهل الحديث وأهل السنّة: واقرّوا: انّه لا خالق إلاّ
اللّه، وانّ سيئات العباد يخلقها اللّه، وانّ أعمال العباد يخلقها اللّه عزّ وجلّ، وانّ العباد لا
يقدرون أن يخلقوا منها شيئاً.^(4)
3. وقال في «اللمع»: إن قال قائل: لم زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة للّه تعالى؟ قيل له: قلنا ذلك لأنّ
اللّه تعالى قال: (*وَاللّه خلَقكُم وما تَعْمَلُون*) وقال : (*جزاء بِما *
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-الصافات:96.