ما الجنس الأدبی؟

جان ماری شیفیر؛ مترجم: غسان السید

نسخه متنی -صفحه : 68/ 2
نمايش فراداده

السؤال: لماذا تركز الاهتمام النظري المتعلق بالمسألة الجنسية دائماً على الأجناس الأدبية؟ إن الإجابة بأن التعرف على الأجناس الأدبية وتحديدها أكثر صعوبة من الفنون الأخرى أو من الأجناس الخطابية غير الأدبية، لايحل المشكلة: أولاً، إن التعرف على سونيته (قصيدة من أربعة عشر بيتاً)، وتمييزها عن الملحمة ليس أكثر صعوبة دون شك (أو أكثر سهولة) من التعرف على وعد وتمييزه عن تهديد، أو التعرف على مسرح شعبي وتمييزه عن تصوير تاريخي، أو أيضاً التعرف على رقصة (شاكون) الإسبانية وتمييزها عن الرقص البطيء.

يرتكز كل تصنيف على معايير من التماثل، ولذلك فإن الوضع المنطقي لهذه المعايير يجب ألا يختلف باختلاف المجالات، مثله في ذلك كمثل الصعوبة أو السهولة النسبيتين اللتين نستطيع أن نستفيد منهما من أجل التفريق بين موضوعات مختلفة.

يجب أن يُبحث عن السبب الحقيقي للأهمية التي يُعطيها النقد الأدبي لمسألة وضع التصنيفات في أماكن أخرى: إن السبب يعود، منذ قرنين بطريقة شاملة، ومنذ أرسطو من قبل بطريقة أكثر خفاءً، إلى أن مسألة معرفة ماهو الجنس الأدبي (وفي الوقت نفسه، مسألة معرفة ماهي الأجناس الأدبية الحقيقية وماهي علاقاتها)، يُفترض أن تتطابق مع مسألة معرفة ماهو الأدب، (أو قبل نهاية القرن الثامن عشر، ماهو الشعر).

في المقابل، إن مشكلة وضع الأجناس، في الفنون الأخرى، كالموسيقا والرسم مثلاً، جامدة بالمقارنة مع مسألة معرفة ماهي طبيعة الفنون موضع البحث.

ذلك أنه لاتوجد، في هذه الفنون، ضرورة للتمييز بين الممارسة الفنية والممارسة غير الفنية، وذلك لسبب بسيط هو أن الأمر يتعلق بنشاطات فنية بصورة جوهرية.

وعلى العكس من ذلك، يشكل الأدب أو الشعر مجالين مستقلين داخل مجال سيميائي (دلالي)، موحد وواسع، هو مجال النشاطات اللفظية التي ليست كلها فنية: يمكن أن تبدو مشكلة تحديد مجال حقل الأدب (أو الشعر) وتعريفه أساسية(1) في الوقت نفسه، ترتبط الأصناف الجنسية مباشرة بمشكلة تعريف الأدب، إلا إذا كانت تدعي، على الأقل، أنها تشكل أصنافاً نصية محددة بالتفاهم.

يتعقد كل شيء أيضاً، عندما نُصر على وضع الأدب في مستوى الفنون الأخرى، أي منذ أن نبحث عن تعريفه ضمن خصوصية دلالية خاصة به وأساسية (مثل النغمة المتبدلة في الموسيقى، والخط واللون في الرسم، على اعتبار أن التصنيف النوعي موحد من خلال هذه السمة الدلالية التي يفترض أنها عامة.

وهكذا فإن النظرية النوعية (الجنسية) لأرسطو موحدة من خلال الخصوصية الدلالية للمحاكاة الأدبية.

كذلك، يضع التقسيم الثلاثي الهيغلي للشعر، الأدب ضمن منظومة رمزية خاصة موجودة خارج منظومة اللغة.

مما لاشك فيه، أن هذه الفرضية هي التي تفسر لماذا يدعي أن الأدب هو وحده، في الواقع، الذي يمتلك أجناساً بالمعنى الدقيق للكلمة: من بين كل الفنون، الأدب هو الوحيد الذي ينتظم ضمن منظومة من الخصوصيات الداخلية التي تشكل وحدة عضوية.

لن نستغرب إذن، اقتراحه إقامة منظومة حقيقية للأجناس، خاصة بالنسبة إلى الأدب، ترتكز على مقولاته الفلسفية الأساسية، في حين أن هذه التصنيفات الجنسية ، في الفنون الأخرى، تبقى تجريبية ووصفية بصورة واسعة.

ممالاشك فيه أن فرضية منظومة الأدب لاتبدو ضرورية، إلا لأن هيغل قرر مسبقاً أن على الأدب، مثل كل الفنون الأخرى، أن يمتلك منظومته الدلالية الخاصة به: لا تستطيع هذه المنظومة أن تسكن اللغة كما هي، ويشاء القدر أن تكون مرتبطة بمجموع فرعي من الممارسات اللغوية محددة عبر جوهر خاص يحيّد أو يلغي الخصوصية الدلالية للغة كما هي نقطة هكذا أصبحت نظرية الأجناس، المكان الذي يتحدد فيه مجال الأدب وتعريفه: "أُنقذت" الخصوصية الدلالية، التي من الصعب الوصول إليها، بفضل اكتشاف هيغل لنظرية الأجناس.

انطلاقاً من هذه الملاحظة، أقترح أن نحللّ، عن قرب، كيف أن نظرية الأجناس الأدبية، من أرسطو إلى برونيتيير مروراً بهيغل، لم تقترب، عبر القرون، من مناقشة عقلية لمشكلات التصنيف الأدبي، بل، بالعكس، نزعت إلى الابتعاد عن الدلالات المفيدة التي قدمها مؤلف "فن الشعر" (لأرسطو)، من أجل عدم الوقوف إلا عند مشاكلها والغوص فيها.

ولايمكننا أن نواجه استعادة المسألة الجنسية ضمن مستويات جديدة إلا بعد تمهيد الطريق وإبعاد عدد من البديهيات الخادعة.

وهذه هي الوظيفة الوحيدة لهذه الجولة التاريخية القصيرة والسريعة جداً، التي لاتدعي بالتأكيد، أنها تاريخ نظريات الأجناس، ولكنها ببساطة إضاءة، أرجو ألا تكون بعيدة جداً عن مشاكلها ولمحاتها (النادرة).

- إبهامات الأب المؤسس.

يدعي غوتفريد ويليام أن "تاريخ النظرية