قد علمنا أن الله تعالى نفى الشعر عن القرآن وعن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :
( وما علمناه الشعر وما ينبغى له ، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) ( 1 ) .
وقال في ذم الشعراء : ( والشعراء يتبعهم الغاوون . ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ) ( 2 )
إلى آخر ما وصفهم به في هذه الآيات .
وقال : ( وما هو بقول شاعر ) ( 3 ) .
وهذا يدل على أن ما حكاه عن الكفار - من قولهم : إنه شاعر ، وإن هذا شعر - لابد من أن يكون محمولا على أنهم نسبوه [ إلى أنه يشعر بما لا يشعر به غيره من الصنعة اللطيفة في نظم الكلام ، لا أنهم نسبوه ] في القرآن إلى أن الذى أتاهم به هو من قبيل الشعر الذى يتعارفونه على الاعاريض المحصورة المألوفة .
أو يكون محمولا على ما كان يطلق الفلاسفة على حكمائهم وأهل الفطنة منهم في وصفهم إياهم بالشعر ، لدقة نظرهم في وجوه الكلام وطرق لهم في المنطق .
وإن كان ذلك الباب خارجا عما هو عند العرب شعر على الحقيقة .
أو يكون محمولا على أنه أطلقه ( 4 ) بعض الضعفاء منهم في معرفة أوزان الشعر .
وهذا أبعد الاحتمالات .
فإن حمل على الوجهين الاولين كان ما أطلقوه صحيحا ، وذلك أن الشاعر يفطن لما لا يفطن له غيره ، وإذا قدر على صنعة الشعر كان على ما دونه - في رأيهم وعندهم - أقدر ، فنسبوه إلى ذلك لهذا السبب .
فإن زعم زاعم أنه قد وجد في القرآن شعرا كثيرا ، فمن ذلك ما يزعمونأنه بيت تام أو أبيات تامة ، ومنه ما يزعمون أنه مصراع ، كقول القائل : قد قلت لما حاولوا سلوتي ( هيهات هيهات لما توعدون ) ( 5 ) ومما يزعمون أنه بيت ، قوله : ، ( وجفان كالجواب وقدور راسيات ) ( 6 )
( 1 ) سورة يس : 69
. ( 2 ) سورة الشعراء : 224 - 225
. ( 3 ) سورة الحاقة : 41
. ( 4 ) س : " أطلق عن بعض "
. ( 5 ) سورة المؤمنون ، : 36
. ( 6 ) سورة سبأ .