ونحن نذكر بعد هذا في التفصيل ، ما يكشف عن مباينة ذلك وجوه السجع .
ومن جنس السجع المعتاد عندهم ، قول أبى طالب ( 1 ) لسيف بن ذى يزن :
" أنبتك منبتا ( 2 ) طابت أرومته ، وعزت جرثومته ، وثبت أصله ، وبسق فرعه ونبت زرعه ، في أكرم موطن ، وأطيب معدن " .
وما يجرى هذا المجرى من الكلام .
والقرآن مخالف لهذه ( 3 ) الطريقة مخالفته للشعر وسائر أصناف كلامهم الدائر بينهم .
ولا معنى لقولهم : إن ذلك مشتق من ترديد الحمامة صوتها على نسق واحد وروى غير مختلف ، لان ما جرى هذا المجرى لا يبنى على الاشتقاق وحده ، ولو بنى عليه لكان الشعر سجعا ، لان روية يتفق ولا يختلف ، وتتردد القوافى على طريقة واحدة . وأما الامور التى يستريح إليها الكلام ، فإنها تختلف : فربما كان ذلكيسمى ( 4 ) قافية ، وذلك إنما يكون في الشعر ، وربما كان ما ينفصل عنده ( 5 ) الكلامان ( 6 ) مقاطع السجع ، وربما شمى ( 7 ) ذلك فواصل .
وفواصل القرآن - مما هو مختص بها ( 8 ) لا شركة بينه وبين سائر الكلام فيها ولا تناسب .
وأما ما ذكروه من تقديم موسى على هارون عليهما السلام في موضع ، وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع وتساوى مقاطع الكلام - فليس بصحيح ، لان الفائدة عندنا غير ما ذكروه .
وهى ( 9 ) : أن إعادة ذكر القصة الواحدة بألفاظ مختلفة ، تؤدى معنى واحدا من الامر الصعب ، الذى تظهر به الفصاحة ، وتتبين به ( 10 ) البلاغة . وأعيد كثير من القصص في مواضع [ كثيرة ] مختلفة ، على ترتيبات متفاوتة ، ونبهوا بذلك على عجزهم عن الاتيان بمثله مبتدأ به ومكررا .
( 1 ) في دلائل النبوة 1 24 : " قول عبد المطلب " مع اختلاف في الرواية قليل ( 2 ) م : " منبتك منبت " ( 3 ) س : "
لنحو هذه " ( 4 ) ا ، ب : " مسمى " ( 5 ) س : " عنده " ( 6 ) هكذا في ا ، ب ، م ( 7 ) م : " يسمى " ( 8 ) م : " ما يختص بها " ( 9 ) م
: " وهو " ( 10 ) س : " فيه "